حرّكت حادثة الطائرة التي هبطت اضطرارياً في مطار الأمير محمد بن عبدالعزيز بالمدينةالمنورة، تساؤلات عديدة حول الضوابط التي تخضع لها الطائرات المستأجرة، والمسؤوليات الناتجة عن الإيجار، وإجراءات الصيانة التي يجب اعتمادها قبل انطلاق الرحلات الجوية حفاظاً على سلامة أرواح الركاب وممتلكاتهم. وبقدر ما يمكن القول إن الحوادث الطارئة مسألة واردة في الرحلات الجوية، خاصة في الحالات التي قد لا يكون للشركة المشغلة أو المستأجرة أو لطاقم الصيانة أو للطيار أي دخل فيها، كتعطل المحركات نتيجة دخول جسم ما فيها أو حدوث أعطال خارجة عن الإرادة. لكن تبقى الأعطال المرتبطة بالصيانة هي محور الاهتمام؛ لأن إهمالها يمكن أن يتسبب في حوادث جسيمة. وكانت رحلة الخطوط السعودية القادمة من مطار مدينة مشهد الإيرانية إلى مطار الأمير محمد بن عبدالعزيز الدولي يوم الأحد الماضي تعرضت لخلل فني أثناء هبوطها في المطار ونتج عن ذلك إصابة 29 راكباً بإصابات مختلفة. ونسب للمتحدث الرسمي للهيئة العامة للطيران المدني خالد الخيبري قوله إن رحلة الخطوط السعودية رقم (2841) من طراز بوينج (763) وعلى متنها 315 راكباً تعرضت لعطل فني في نظام العجلات الخلفي الأيمن للطائرة وهبطت على المدرج دون نزولها. وأفاد أن قائد الطائرة كان قد أبلغ برج المراقبة الجوية بوجود خلل فني في نظام العجلات الخلفي ما يستحيل معه إنزال عجلات الجانب الأيمن للطائرة، وعلى الفور قامت الجهات الفنية بالمطار بالاستعدادات اللازمة وتجهيز المدرج لمثل هذه الحالة، فور تلقيها بلاغ قائد الطائرة. وبيّن أنه تم على الفور إعلان حالة الطوارئ في المطار، وباشرت الحادثة فرق الإطفاء والإنقاذ والجهات ذات العلاقة، كما باشر مكتب تحقيقات الطيران في الهيئة مهامه في هذه الحادثة. وبينما أعلن ممثل الأمن والسلامة في السعودية عائض المطيري أن الطائرة تايلندية مستأجرة، وأن الطاقم الملاحي والطيار من الجنسية التايلندية، وأن التحقيق في هذه الحالة يتم من قبل الدولة المالكة للطائرة والشركة المصنعة، بالإضافة إلى فريق التحقيق من قبل هيئة الطيران المدني. لكن المادة 107 من نظام الطيران المدني لم تشر إلا إلى أن التحقيق في الحوادث التي تقع للطائرات المدنية في إقليم المملكة وللطائرات السعودية وللطائرات التي يشغلها أشخاص يحملون الجنسية السعودية فوق أعالي البحار أو فوق الأراضي غير المملوكة لإحدى الدول وفقاً للشروط والضوابط التي تحددها لائحة التحقيق هو من اختصاص مكتب التحقيق في الطيران المدني، الذي يحق له تشكيل لجان التحقيق وتحديد صلاحياتها وتحديد القواعد الواجب مراعاتها لإجراءات التحقيق في هذه الحوادث والوقائع، وإعداد تقارير عن الحالات والظروف المتعلقة بكل حادث طيران يتم التحقيق فيه، وبيان أسبابه ونتائجه، وأي إجراءات أو قواعد يوصى بها لمنع تكرار مثل هذه الحادثة مستقبلاً. وتثير الحادثة تساؤلات حول مسؤولية الخطوط السعودية عن صلاحية الطائرة للطيران وفقاً لأحكام نظام الطيران المدني، وما ينتج عن هذه المسؤولية من تبعات في حالة الحوادث؛ حيث تنص المادة السبعون من النظام على أن «على المشغل السعودي قبل شراء أي طائرة أو تأجيرها أو استئجارها التحقق من توافر الشروط والمستويات الفنية التي تحددها الهيئة في الطائرة». أما الفقرة الأولى من المادة ال69 من النظام؛ فتشير إلى أنه «يبقى مالك الطائرة المؤجرة مسؤولاً بالتضامن مع مستأجرها عن الالتزامات القانونية الملقاة على عاتق المستثمر فيما يتعلق بالطائرة وهيئة قيادتها عملاً بأحكام هذا النظام إذا كانت مدة الإيجار لا تزيد على أربعة عشر يوماً. فيما تشير الفقرة الثانية من المادة نفسها إلى أنه «إذا كان عقد الإيجار لفترة تزيد على أربعة عشر يوماً أو كان بقصد الشراء، فإن المستأجر المشغل للطائرة يكون وحده مسؤولاً عن الالتزامات المشار إليها ما لم ينص عقد الإيجار على خلاف ذلك». وهنا قد يحسم مسألة التعويضات عن الضرر الناتج عن الحادث بيان طبيعة الإيجار ومدته وعدد الرحلات المعتمدة فيه وهو ما لم تكشف عنه «السعودية» بعد. في الوقت الذي لم يعرف حجم الضرر اللاحق بالطائرة وتكلفته. وتعد حوادث تعطل أجهزة الطائرة الهيدروليكية من الحوادث الشائعة، التي أشار إليها كتيب الحد الأدنى للصلاحيات التشغيلية وللأعطال المسموح بها للطائرات MMEL؛ حيث دل الكتيب على أنه في حالة تعطل نظامين من أنظمة الهيدروليك الأربعة في الطائرة وعمل النظامين الآخرين فإنه مسموح للطائرة بالطيران وتأجيل الإصلاح إلى وقت محدد، ولكن الخطوط الجوية السعودية رأت في الكُتيب الخاص بأنظمة الشركة MEL تقليل هذا المعيار فبدلاً من أن تقلع الطائرة بنظامين فقط فإن السعودية تخرج الطائرة من الخدمة وتخضعها للصيانة والإصلاح. وهو تحوط جيد ولكن لا يعرف العامة وغير المختصين في شؤون الطيران مدى خطره على سلامة الطائرات ومدى صلاحيتها للوصول الآمن بالركاب إلى الوجهة النهائية. وهنا قد يفيد أن تعرض السعودية سجلاً للطائرة المذكورة التي تعطلت عجلاتها أثناء الهبوط في المدينة، وهل هي الحالة الأولى التي مرت بها الطائرة أم وقعت حوادث مشابهة لها؟ كما قد يفيد أن تعرض إجراءات الصيانة التي تمت للطائرة وهل لوحظ أي عطل على نظامها الهيدروليكي قبل الطيران؟ وتمر الطائرة بمراحل عدة للفحص قبل الإقلاع فيما يعرف بالفحص الروتيني الذي يجب أن يشمل جميع الأجزاء الخارجية للطائرة ومحركاتها ومعايير الزيت والأجزاء التي تساعد الطائرة على الإقلاع والهبوط والعجلات، ومن ثم يأتي دور كابتن الرحلة ويقوم بعمل فحصه الروتيني على الطائرة من الخارج للتأكد من عدم وجود شيء يمنع إقلاع الطائرة، بعدها يتوجه إلى غرفة القيادة ويتم مراجعة كُتيب الطائرة وقائمة الأعطال MEL وتاريخ صلاحيتها وجميع الأجهزة اللاسلكية في الطائرة، وفي حالة تسجيل أي ملاحظة أثناء الرحلة عبر أجهزة الكمبيوتر في الطائرة يقوم كابتن الطائرة بتدوينها في كتيب الطائرة وإبلاغ الصيانة فور وصوله لمحطة الوصول ليتم معاينتها والعمل على إصلاحها. كما يتم إجراء فحص روتيني آخر لدى وصول الطائرة إلى وجهتها، وهو فحص يفترض أن تمر به جميع الطائرات خلال 24 – 48 ساعة حسب نوع الطائرة. وتشير بعض المصادر إلى أن الفحص يستلزم في الغالب فك نصف الطائرة وإعادة تركيبها من جديد للتأكد من سلامة كل القطع داخل الطائرة. وفيما يتعلق بأعطال أنظمة الهيدروليك فثمة عدة حلول منها تغذية الأنظمة التي تعمل بالنظام المتعطل من الأنظمة الأخرى المتوفرة، وإن حصل فجأة وتعطلت كل أنظمة الهيدروليك فالحل هو حبس الهيدروليك الموجود في الأنابيب وقفله عن كل الأنظمة وضخه لفتح باب العجلات وأنظمة الطيران الرئيسة للهبوط الاضطراري في أقرب مطار. وإذا تعطل نزول العجلات نتيجة عطل في أنظمة الهيدروليك أو أبواب العجلات لم تفتح فإن على قائد الطائرة إبلاغ البرج بذلك تمهيداً للهبوط الاضطراري في حالة عدم إمكانية إنزال العجلات، وذلك بالنزول على جسد الطائرة باحترافية، وهو ما تم في حادثة المدينة، لكن لم يعرف إن كانت فرق الإنقاذ التي باشرت الحادث قد لجأت إلى الإجراء المعتاد في هذه الحالة وهو ضخ أرضية المدرج الذي هبطت عليه الطائرة بمادة مانعة للاحتكاك بين الطائرة والأرض؛ حيث إنه لم تتم الإشارة إلى حدوث هذا الإجراء. جدير بالذكر أن «السعودية وقعت مؤخراً عقدين لصيانة محركات وأجسام الطائرات بقيمة إجمالية تتجاوز 3.5 مليار ريال سعودي، وتخطط لرفع طاقتها خلال 2014 بإضافة مليون مقعد جديد.