حافظت سيدات كبيرات في السن من محافظة القطيف على عادة “تكسير القدو” أمام منازلهنّ، توديعا لشهرصفرواستقبالاً لشهرربيع الأول، ظناً منهنّ بدفع النحس عنهنّ وعن ذويهنّ، و”القدو” شبيه ب”الجرة”، ويصنع من الفخار، ويستخدم لتدخين “التتن – التبغ” بين النساء. وتشيرأم صالح، من إحدى قرى القطيف، أنها تحتفظ ب”القدو” من عام إلى آخر، رغم أنها لا تدخن “التتن”، وإنما من أجل كسره في آخر يوم من شهر صفر، مبينة أنها ورثت العادة من والدتها، وعلمتها لبناتها، مبررة عملها بكسر القدو ب”الاعتقاد بأن شهر صفر شهر نحس، وللفرح بدخول شهر ربيع”. اختلاف العادات وتختلف عادة السيدات في وداع شهر صفر، ففيما تكسر نساء القدو، تشعل أخريات الشموع، ومنهنّ من يشعل سعف النخيل على الأرض، بصحبة أطفال يغنون ويتقافزون حولها، مرددين بعض أهازيج شعبية، من بينها “واصفيروه طلع صفر بشرته وشروره .. واصفيروه جانا ربيع بفرحته وسروره .. طلع صفر أميمتي سالمة .. وعدوتي في المقبرة نايمة.. حرقناك يا صفر يا بو المصايب والكدر”، وفيما تنشغل سيدات بكسر “قدوهنّ” أو “إشعال شموعهنّ”، تنشغل أخريات بتنظيف كامل المنزل، وتعطيره بالبخور. وذكرت فاطمة محمد “رأيتُ أمي كثيراً وهي تجمع بعض الأواني الفخارية، من أجل كسرها أمام باب المنزل في آخر يوم من صفر، وتحديداً في ساعة غروب الشمس؛ ظناً منها أنه يدفع البلاء عنّا، فنتنقل أنا وأخواتي في غرف البيت مبتهجات، ونغني (اطلع يا صفر إن كنت في غرفة فلان .. اطلع يا صفر)”، مضيفة “رغم تمسك أمي بهذه العادة، إلا أنها لم تعد تمارسها في الأعوام الأخيرة، واندثرت تقريباً من قريتنا”. وترتفع مبيعات صانعي وبائعي الفخار، حيث يوضح بائع الفخار زكي الغراش أن نسبة بيع الفخار تزيد كل عام من شهر صفر، ويقبل الرجال على شرائها لأولادهم؛ ليقوم كل طفل بكسرها عند منزله، مشيراً أنه يحتفظ بجرار ال”القدو” غير السليمة والمكسورة، حيث يفضل البعض اقتناءها، معللين ذلك بأنها ستكسر في النهاية، ولن يستفاد منها شيء. وتتمسك سيدات بهذه العادة وتعدها شيئاً أساسياً في كل عام، وتقول أم محمد (52 عاماً) “اعتدتُ القيام بهذه العادة في كل عام، ولا يمكنني تركها”، موضحة “أعطي ابني الصغيرالأواني لكسرها”. كما أنها لا تنسى تبخير المنزل بعلك البان. وتضيف ابنتها امتياز علي “أستمتع في كل عام بالذهاب لأمي ورؤيتها وهي تكسر أواني المنزل الفخارية، التي يتصدرها (القدو)”. وتعبر سوسن رضى عن امتعاضها مما يحدث، مبينة أنها لا تفعل هذه العادة، وتضيف “لم أجد أمي تقوم بهذا الأمر، وربما لأنها لا تؤمن بتكرار هذه العادة، حتى بعد زواجي لم أر أم زوجي تقوم بهذه العادة، فأظن أن اكتسابها يعود إلى اعتقاد الشخص وتصديقه بأنها تدفع الشر، ومع هذا فأنا أحترم عادات أهل بلدي، وأجدها تخليداً لموروثنا”. وأوضح الاختصاصي الاجتماعي محمد الشيوخ أن هذه العادة ما هي إلا تعوّد على سلوك معين، فيعتز الناس بموروثهم الشعبي جيلاً بعد جيل، ويقول “قد يقوم الناس بمثل هذه العادات دون أن يعرفوا فلسفتها، وقد تُفعل دون اعتقاد ديني، وكل ما في الأمر أنهم وجدوا أجدادهم وآباءهم يقومون بها، فيقلدون ذويهم معتزين بإرثهم”. أطفال يقومون بكسر الفخار أمام منزلهم (تصوير: علي غواص)