لا أظن أن مثلاً ينطبق في الدنيا على جماعة الإخوان مثل المثل القائل «أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه» فإذا اعتبرنا أننا على مدار العقود الماضية ظللنا نسمع عن جماعة الإخوان، وكنا لسوء تصريفنا نسمع عنهم منهم «كما هم يقولون اسمع منا ولا تسمع عنا» فإننا سنبصم بالعشرة أن هذه الجماعة مقدسة وربانية ومتجردة ولا تبحث عن المصالح الخاصة بل كل همها منصرف إلى الله والرسول ثم من بعدهما الوطن، وهذا على أساس أنهم يعرفون معنى الوطن! ولكن شاءت الأقدار أن ينزل الأخ «المعيدي» صاحب المثل الوارد في بداية هذا التحقيق إلى أرض الميدان، ثم إذا به يقفز على حكم البلاد قفزة مضرية، فأصبحنا نراه برلمانا فوزارة فرئيسا، بعد أن كنا نسمع عنه كشبح مختبئ في الكواليس، فإذا به شديد الشبه بالمثل العربي القائل «شهاب الدين أضرط من أخيه» ولعلك أدركت أن شهاب الدين هو جماعة الإخوان، وأن أخاه هو الحزب الوطني، هذا مِثل ذاك لا فارق بينهما إلا في الاسم فقط، أما الفعل والمحتوى فهو هو. منظومة الحكم عند نظام مبارك، ولدى الحزب الوطني اعتمدت على شبكة من النسب والمصاهرات والعلاقات والتربيطات، وهذا هو الميثاق السري الذي يقوم عليه الحكم الاستبدادي، فالحاكم المستبد لا يبحث عن الكفاءة ولكنه يبحث عن الولاء، لا يبحث عن أصحاب العقول، ولكنه يبحث عن حاملي الطبول، لذلك فإننا لو بحثنا في أسماء الوزراء والمسؤولين في عهد مبارك المستبد سنجد أنهم كونوا فيما بينهم شبكة متكاملة تعتمد على المصاهرة والقرابة والمصالح والشراكة، ولكن اللافت أن هذه الشبكة لم تتشكل أركانها إلا في السنوات الأخيرة من حكم مبارك، بمعنى أن مبارك لم يصل إلى درجة إنشاء شبكة حكم تتواصل فيما بينها من خلال المصاهرة والقرابة والعلاقات التجارية إلا بعد عشرين عاماً من حكمه، لم يفعل ذلك إلا عندما استشعر بضعف نظامه وأنه لكي يبقى ويصلح فيه الإرث والتوارث يجب أن يعتمد على أصحاب الولاء، ومَن غير الأصهار وشركاء المال يتوافر فيهم الولاء الكامل، فالمركب التي تقل الجميع إذا غرقت فستغرق بالجميع، ومن شأن الأقارب وأصحاب المصالح الذين ركبوا سفينة الحكم أن يتعاضدوا فيما بينهم من أجل الاستمرار، ومع ذلك لم تفلح جهودهم في الاستمرار، وعندما جاء الغرق واقتربت الساعة وبلغت الروح الحلقوم فرت فئرانهم من السفينة المعطوبة. ولكن شهاب الدين -نقصد جماعة الإخوان- كعهدنا بها فعلت في الشهور الأولى من جلوسها على كرسي الحكم ما فعله مبارك في أواخر سنواته، حيث أنشأت منظومة حكم تعتمد في المقام الأول -وأيضا المقام الأخير- على شبكة من المصاهرات والقرابة والشراكات المالية، وليصبح الحكم الإخواني قائماً على بزنس العائلات، وبزنس المال. الاستبداد الذي ظهرت عليه جماعة الإخوان -حتى وهي مضطهدة وخارج دائرة الحكم- هو الذي دفعها قطعاً لمزاولة خطيئة أي مستبد جاهل تسيد عليها وعلينا، وفي كتاب طبائع الاستبداد لعبدالرحمن الكواكبي يشرح كيف يتحول الذي عانى من الاستبداد عندما يحكم إلى حاكم يمارس نفس سلوك الحاكم الذي استبد به وقهره. وقد يعتبر بعضهم أن كل ما سلف يدخل في نطاق الكلام النظري، مقهور يحكمه مستبد، إذا ما وصل هذا المقهور إلى الحكم مارس نفس سلوك المستبد وطبق أفكاره ورؤاه، وقلده في كل شيء حتى في إنشاء شبكة المصالح. والآن سنخرج من الكلام النظري لندخل على الفور إلى الكلام العملي، وعند جهينة الخبر اليقين. حين أصبح مرسي رئيساً نظر إلى البلاد، ثم نظر إلى تنظيمه، من منهما أولى من الآخر؟ ووفقاً لثقافة مرسي وخلفيته الإخوانية جعل جماعته هي صاحبة المقام الأول، هي السيد والشعب يجب أن يكون هو المسود، هي التي يجب أن تحكم وحدها دون أن تتشارك مع أحد من خارجها، بل حتى داخل الجماعة لا يجب أن يحكم إلا أصحاب القربى، أصحاب الولاء، أصحاب الطاعة المطلقة الذين لا يفكرون على استقلال، لذلك كان لعائلة الرئيس نصيب في مقعدين في السلطة، الرئيس محمد مرسي نفسه، وزوج شقيقته، وحما ابنته أيضا الدكتور أحمد فهمي الذي تحول إلى أحد نجوم الحياة السياسية في مصر بعد الثورة، إلى أن أسند إليه مرسي منصب رئيس مجلس الشورى بفضل صلة المصاهرة «المركبة». وحين أراد مرسي أن يضع معه في الرئاسة فريقا من المساعدين لم يكن أمامه إلا أسعد الشيخة ابن أخته، ومع الشيخة دخل خالد القزاز إلى منطقة الرئاسة الدافئة المريحة، وخالد القزاز هو ابن عدلي القزاز الإخواني القديم وصديق عمر محمد مرسي، ثم أصبح عدلي القزاز نفسه من بعد ذلك مستشارا لوزير التعليم، أما لماذا تم وضع عدلي القزاز في هذا الموقع المتميز بوزارة التعليم فذلك لأن ابن خيرت الشاطر كان تلميذا في مدرسة يمتلكها القزاز، وأثناء فترة سجن الشاطر قبل ثورة يناير كان قد أعفى ابن الشاطر من سداد مصاريف المدرسة، وقد حفظ خيرت الشاطر الجميل لعدلي وولده خالد فنقلهما نقلة نوعية، ومن بعد شقة كانت الأسرة تسكنها أصبحت تسكن قصراً مشيداً على هضبة المقطم تتحاكى الأساطير عنه. لم يقف رد الجميل عند ذلك الحد، فرد الجميل الذي يترتب عليه الولاء والوفاء امتد إلى شخص آخر من عائلة القزاز وهو الدكتور حسين القزاز.. الضلع الثالث من «لوبي» عائلة القزاز داخل قصر الرئاسة، وأحد أبرز أعضاء الهيئة الاستشارية للرئيس محمد مرسي، والمستشار الاقتصادي لحزب الحرية والعدالة، وأحد أهم المؤسسين للجانب الاقتصادي في «مشروع النهضة» كما روج له الشاطر، وأيضا العضو الاحتياطي في تأسيسية دستور الإخوان، والأهم مسؤول التنظيم الدولي للإخوان في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وكذا ضابط الاتصال بين الإدارة الأمريكية وجماعة الإخوان المسلمين، عبر عقود من الهجرة لسنوات طويلة إلى أمريكا، في «لوبى» عائلي ثلاثي الأضلاع قام باختراق الدولة لحساب جماعة الإخوان. في القصر الرئاسي أيضا يتصدر الدكتور عصام الحداد «المصري الإنجليزي الجنسية» المشهد، كمساعد لرئيس الجمهورية للشؤون الخارجية، وبطل أول صورة رسمية لمرسي داخل مكتبه الرئاسي، وواحد من خمسة رجال لم يفارقوا محمد مرسي منذ انتخابه رئيسا للجمهورية إلى أن فر هاربا من مصر قبل ثورة ثلاثين يونيو، وقبل هذا وذاك كان عصام الحداد شريكا للشاطر في تجارته، وهو أيضا شقيق مدحت الحداد عضو مكتب الإرشاد في الجماعة، وكان الأخوان في زمن مبارك من الشخصيات المقربة من دوائر حكم مبارك وكان مدحت الحداد تربطه صلات قوية بعلاء مبارك حينما كان آل الحداد يمتلكون المجموعة العربية للتنمية «إنتربيلد» لتنظيم المعارض، ولأنه رجل أعمال من الطراز الأول أسند إليه مكتب الإرشاد موقع نائب جمعية تنمية الأعمال «ابدأ» التي يترأسها حسن مالك. عصام الحداد أيضا هو والد المهندس الشاب جهاد الحداد المسؤول عن ملف العلاقات الخارجية وكبير مستشاري مشروع النهضة الذي روج له الشاطر، الذي كان موجوداً منذ اللحظة الأولى إلى جوار مرسي في قصر الرئاسة، في الوقت الذي لم يكن أحد في كل الدولة يعلم ما هي الصفة الرسمية التي تبرر وجوده في هذا المكان، فيما يتمتع الحداد الابن أيضا بنفوذ عائلي خرافي داخل الجماعة بحكم مصاهرته لعضو مكتب إرشاد آخر هو الدكتور محمود أبو زيد، حيث تزوج جهاد الحداد ابنته، بينما كانت ابنته الثانية فاطمة أبو زيد عضوا في لجنة وضع الدستور الأولى، هذا ناهيك عن صلة نسب أخرى بين جهاد الحداد وبين عضو مكتب إرشاد ثالث هو محمد إبراهيم زوج خالته، الأمر الذي وضع جهاد الحداد بشكل مباشر في بؤرة الدائرة المقربة من خيرت الشاطر. سكن أيضا في قصر الرئاسة أثناء حكم مرسي الدكتور أحمد عبدالعاطي واحد من أهم كوادر التنظيم الدولي للإخوان، حيث ربطت بينه وبين قيادات من الجماعة المصلحة الواحدة والبزنس المشترك، هذه الصفات جعلت من عبدالعاطي مديراً لمكتب رئيس الجمهورية، ولمَ لا وهو أحد كوادر التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، ومسؤول طلاب الإخوان تنظيمياً على مستوى العالم، والأمين العام السابق أيضا ل«الاتحاد الإسلامي العالمي للمنظمات الطلابية» وشريك الشاطر في واحدة من أهم شركاته وهي شركة الحياة للأدوية التي كان يدير فرعها في الجزائر ويستقبل العمالة الإخوانية من المصريين للعمل فيها بتكليف من التنظيم الدولي للجماعة. وأظن أننا لو أردنا أن نضع خريطة للنسب والمصاهرة للإخوان وتأثيرها على حكمهم ودورها البالغ الأثر في ثورة الشعب عليهم لكان لنا أن ندبج الصفحات والصفحات، وهي أمور بالغة الأهمية لفهم نفسية وطريقة الحاكم وجماعته وكيف أنهم نظروا إلى مصر كعزبة مملوكة لهم يفعلون بها وفيها ما يريدون، لنا أن نكتب الصفحات عن أزواج بنات الشاطر وهيمنتهم أثناء حكم مرسي على الهيئة العامة للاستثمار، وشقيقات حسن مالك وأزواجهن حيث تم تعيينهم جميعا مستشارين في عدد من الوزارات، وهلم جرا. في دائرة شبكة العلاقات والمصاهرات والمال، كلام مباح، وكلام يعتبره الإخوان غير مباح، ومن الكلام غير المباح الذي حاولت الجماعة قدر جهدها التغطية عليه، هو صلة العمل التي ربطت رئيس وزراء الإخوان هشام قنديل بخيرت الشاطر في الثلث الأول من التسعينيات، حيث كان هشام قنديل يعمل موظفاً لدى الشاطر في أحد مشاريعه التجارية المرتبطة باستصلاح الأراضي الصحراوية، وإذا كان ما عرفناه وأدركناه -بخصوص شبكة المصاهرات التي أدارت مصر مدة عام- سيئا ومفزعا إلا أن ما خفي كان أعظم وأسوء وأفظع وأفزع.