وكالة أنباء ONA كلنا يعرف العبارة الشهيرة المأثورة عن الامام أحمد بن حنبل والتي يغفل عنها تجار الدين وهي: «لا تأخذوا الدين ممن يرتزق منه»، وكلنا يعرف أنه لا كهنوت في الاسلام، ولكننا خلقنا طبقة الكهنة الذين يحلون ويحرمون، لم يضع كهنتنا أنفسهم أوصياء على الدين وعلى قلوب العباد فحسب، ولكنهم اشتغلوا بالتجارة بالدين ليصلوا من خلال الدين الى الحكم، أفهم أن يتاجر الواحد منا مع الله، فما أربحها من تجارة، أما ان يقوم بالتجارة بالله فهذا هو المؤلم والمؤسف، ولكن جماعة الاخوان فعلتها وكانت عيونها آنذاك على الحكم. ومن فرط حسن نية معظمنا قبل ان يصل الاخوان للحكم أخذنا بظاهرهم ولم نمعن النظر في حقيقتهم، لذلك كان الاخوان بالنسبة للشعب مثل المعيدي، هل تعرفون من هو المعيدي؟! هو رجل قيل عنه مثل، ولا أظن ان مثلا ينطبق في الدنيا على جماعة الاخوان مثل هذا المثل الذي يقول «أن تسمع بالمعيدي خير من ان تراه» والمعيدي هذا كان رجلا صاحب سمعة طيبة، وعندما رآه الناس وعاينوا أفعاله وجدوه شر البشر، فاذا اعتبرنا أننا على مدار العقود الماضية ظللنا نسمع عن جماعة الاخوان، وكنا لسوء تصريفنا نسمع عنهم منهم «كما هم يقولون اسمع منا ولا تسمع عنا» فاننا سنبصم بالعشرة ان هذه الجماعة مقدسة وربانية ومتجردة ولا تبحث عن المصالح الخاصة بل كل همها منصرف الى الله والرسول ثم من بعدهما الوطن، وهذا على أساس أنهم يعرفون معنى الوطن!. ولكن شاءت الأقدار ان ينزل الأخ «المعيدي» صاحب المثل الوارد في الفقرة السابقة الى أرض الميدان، ثم اذا به يقفز على حكم البلاد قفزة مضرية، فأصبحنا نراه برلمانا فوزارة فرئيساً، بعد ان كنا نسمع عنه كشبح مختبئ في الكواليس، فاذا به شديد الشبه بالمثل العربي القائل «شهاب الدين أضرط من أخيه» ولعلك أدركت ان شهاب الدين هو جماعة الاخوان، وأخوه هو الحزب الوطني، هذا مِثل ذاك لا فارق بينهما الا في الاسم فقط، أما الفعل والمحتوى فهو هو. منظومة الحكم عند نظام مبارك، ولدى الحزب الوطني اعتمدت على شبكة من النسب والمصاهرات والعلاقات والتربيطات، وهذا هو الميثاق السري الذي يقوم عليه الحكم الاستبدادي، فالحاكم المستبد لا يبحث عن الكفاءة ولكنه يبحث عن الولاء، لا يبحث عن أصحاب العقول، ولكنه يبحث عن حاملي الطبول، لذلك فاننا لو بحثنا في أسماء الوزراء والمسؤولين في عهد مبارك المستبد فسنجد أنهم كونوا فيما بينهم شبكة متكاملة تعتمد على المصاهرة والقرابة والمصالح والشراكة، ولكن اللافت ان هذه الشبكة لم تتشكل أركانها الا في السنوات الأخيرة من حكم مبارك، بمعنى ان مبارك لم يصل الى درجة انشاء شبكة حكم تتواصل فيما بينها من خلال المصاهرة والقرابة والعلاقات التجارية الا بعد عشرين عاما من حكمه، لم يفعل ذلك الا عندما استشعر بضعف نظامه وأنه لكي يبقى ويصلح فيه الارث والتوارث يجب ان يعتمد على أصحاب الولاء، ومَن غير الأصهار وشركاء المال يتوافر فيهم الولاء الكامل، فالمركب الذي يقل الجميع اذا غرق فسيغرق بالجميع، ومن شأن الأقارب وأصحاب المصالح الذين ركبوا سفينة الحكم ان يتعاضدوا فيما بينهم من أجل الاستمرار، ومع ذلك لم تفلح جهودهم في الاستمرار، وعندما جاء الغرق واقتربت الساعة وبلغت الروح الحلقوم فرت فئرانهم من السفينة المعطوبة. ولكن شهاب الدين نقصد جماعة الاخوان كعهدنا بها فعلت في الشهور الأولى من جلوسها على كرسي الحكم ما فعله مبارك في أواخر سنواته، حيث انشأت منظومة حكم تعتمد في المقام الأول وأيضا المقام الأخير على شبكة من المصاهرات والقرابة والشراكات المالية، وليصبح الحكم الاخواني قائما على بزنس العائلات، وبزنس المال. الاستبداد الذي ظهرت عليه جماعة الاخوان حتى وهي مضطهدة وخارج دائرة الحكم هو الذي دفعها قطعا لمزاولة خطيئة أي مستبد جاهل تسيد عليها وعلينا، وفي كتاب طبائع الاستبداد لعبدالرحمن الكواكبي يشرح كيف يتحول الذي عانى الاستبداد عندما يحكم الى حاكم يمارس نفس سلوك الحاكم الذي استبد به وقهره. وقد يعتبر البعض ان كل ما سلف يدخل في نطاق الكلام النظري، مقهور يحكمه مستبد، اذا ما وصل هذا المقهور الى الحكم مارس نفس سلوك المستبد وطبق أفكاره ورؤاه، وقلده في كل شيء حتى في انشاء شبكة المصالح، ولكن هذا هو الذي حدث حيث لم تكن جماعة الاخوان هي الجماعة الحاكمة في مصر فقط ولكننا كنا نخضع لحكم «الأسرة الاخوانية» التي كانوا يريدونها ان تستمر مئات السنين ولكن ارادة الله كانت فوق ارادة من تاجر بالله.