بالنسبة إلى كثيرين، فإن الوسائط الحديثة على الإنترنت مثل «فيسبوك» و«تويتر» هي وسائط شبابية بالدرجة الأولى، بعيدة كل البعد عن عوالم الأدب والكتابة والفن الحقيقي التي تهتم بالعمق والجدية. غير أن وجود الأدباء والكُتَّاب والفنانين المكثف في هذه الوسائط يشي بأنهم بدأوا يكتشفون أهمية هذه الوسائط وجاذبيتها أيضاً. «الشرق» فتحت نافذة صغيرة على هذه الوسائط التي تتعاظم أهميتها يوما بعد يوم، وسألت أدباء وكُتَّاب ، ممن يملكون حسابا في هذه الوسائط باختلاف أنواعها، كيف ينظرون إلى الوسائط الحديثة في عالم الإنترنت؟ هل يستفيدون منها أم أنها تهدر أوقاتهم فحسب؟ وأخيراً، وكيف يقيم هؤلاء الدور الذي تلعبه هذه الوسائط في ناحية تشكيل وعي المجتمع؟ بداية يقول الكاتب والباحث المهتم بالفكر والفلسفة عمر الفوزان: «الوسائط الحديثة عبارة عن حقول تضم مختلف الزهور والورد والأشواك فيه النافع والأكثر نفعاً والأقل نفعاً وتتفاوت درجة الفائدة وفق تدرج سلم يبدأ من أسفل القاع إلى القمة لذا تجد داخل هذه الحقول الإنسان العادي والمثقف الشعبي والنخبوي من مفكرين وأدباء وإعلاميين وفنانين … إلخ، كونهم وجدوا ضالتهم داخل هذه الحقول، كل له طريقة في توصيل المعلومة وطريقة الحصول عليها. وكون هذه الوسائط صفحات مستقلة لا تعرف الحدود تنتقل في ثوان إلى أي مكان بالعالم تستطيع من خلالها التعبير عما يكن بالنفس سواء بالكتابة أو وضع صورة أو مقطع وفق رابط». ويضيف أن هذه الوسائط تتمثل «بسهولة التعارف والتواصل مع الأصدقاء توجد فيها كل شخصيات المجتمع العامة والمشهورة، كونها مكانا كبيرا للحوار والنقاش وتبادل الآراء حول كل ما يهم الناس، وفق تنوع ثقافي منقطع النظير وتتميز بكثرة المتابعين والزوار والتجديد والتنظيم وكثرة الأفراد الناشطين والمتابعين، فالوسائط الحديثة تمثل أكبر مساحة لتجمع الناس، كذلك نشر القيم والمبادئ وتأصيلها، ويكثر الانضمام إليها بسبب سهولة التواصل بين الناس ومتابعة الشخصيات والأحداث وتبادل الأفكار والمعلومات المفيدة فهي نموذج لصحيفة مصغرة تكون أنت فيها الكاتب والمحرر ورئيس التحرير لا تخضع لقيود تكتب وفق رقابة ذاتية، لا تخضع لرقيب تكتب وتنشر في نفس اللحظة تكتب أفكارا مختصرة تغنيك عن كتابة مقال تعمل على تطوير ذاتك لمزيد من الكتابة الإبداعية الفكرية والأدبية والفنية تجمعك مع نخبة من المثقفين في العالم وتستفيد من أفكارهم تستطيع من خلالها نشر كل كتاباتك بشكل يومي بدلاً من أن تكون حبيسة الأدراج فهذه الوسائط وسيلة غايتها نشر التنوير من خلال ما يكتبه المفكرون والأدباء في الوطن العربي والعالم وهي وجدت للفائدة ولكن قلة قليلة تستخدمها ليس للفائدة». ومن جهته، ينظر القاص والروائي خالد المرضي إلى هذه الوسائط بايجابية كبيرة، ويقول حول هذا الموضوع: «وسائل التواصل الاجتماعي مثلها مثل أي شيء آخر يتدخل في حياتنا، قد تكون مفيدة وقد تكون ضارة، إذ ليست المشكلة في ذات الأشياء بقدر ما تكون في فهمنا لها وتعاطينا معها، ثم إن هذه الوسائل قد غدت منصات لكثير من الكُتَّاب على مستوى العالم، يكتبون خواطرهم ويتواصلون مع قرَّائهم ويعلنون عن إصداراتهم». ويتابع قائلا: «من هذا المنحى أجد أهمية في أن يكون لي حضور في هذا الفضاء الرحب، كتابة وتواصلا ونافذة تطل على فضاءات الآخرين، أشارك وأتشارك، هذا إذا علمنا كم هي مهمة مساحة الحرية التي نجدها هنا ككُتَّاب، دون أن يكون هناك شرط مسبق للكتابة ولا رقيب يحمل مقصا لبتر تدفق الأفكار وإخضاعها لنمطية الخطاب الإعلامي المقيد». ويختتم المرضي: «هناك نفع ظاهر وهناك أيضا خطورة تكمن في قدرة هذه الوسائل على استلال الوقت من خلال جدالات لا تصب في إثراء الجانب الثقافي والإبداعي، ولذلك أكون حذرا في انتقاء قائمة الأصدقاء وأكثر حذرا في تقنين مساحات الزمن التي أهبها لهذه الوسائط، أنا مدين كثيرا لأصدقاء يثرون تجربتي من خلال طرحهم ونقاشاتهم المثرية، يتناقلون أخبار الكتب والكُتَّاب وكل ما يستجد في عالم بات كالبيت الواحد. أقول إن هذه الوسائل باتت جزءا من حياتنا، وعلينا أن نعرف كيف نرتب أنفسنا لنكون أكثر فاعلية للسباحة في فضائها الكوني، دون أن نغرق في متاهات دروبها المتشعبة». وعلى الرغم من أن الكاتب والقاص فهد الخليوي يلخص الأثر الذي أحدثته هذه الوسائط بمقولة مكثفة مفادها أنه «لا يوجد في العالم العربي ديمقراطية حقيقية إلا على الفيسبوك وتويتر»، إلا أن عمر الفوزان يفصل حول هذا الأثر الذي أحدثته هذه الوسائط في وعي المجتمع، ويقول في هذا السياق: «لقد أحدثت هذه الوسائط وعيا مستنيرا لدى شعوب العالم أجمع فهي مزقت الحدود وجعلت العالم أجمع يعيش في قرية واحدة يتبادل الأفكار والهموم والحلول والعلم والمعرفة»، موضحا أنها «أتاحت لعديد من المفكرين والأدباء الذين لم يتاح لهم نشر إبداعاتهم في الصحف ووسائل الإعلام الأخرى أن ينشروا كل إبداعاتهم بأقل من الثانية، وتُشَاهد هذه الإبداعات في مختلف دول العالم». ويشدد الفوزان على أن «المستقبل هو من نصيب النصوص الإلكترونية كونها لا تعرف الحدود ولا تحتاج لوسيلة نقل كون النصوص الورقية توجد في حيز واحد ضيق وفق حدود ووسيلة نقل فهذه الوسائط تتسم بالشفافية والحرية كونها لا يشوهها مقص الرقيب»، مضيفا «مع الأسف الشديد، الصحف في الغالب لا تتسع لكل ما يكتبه الأدباء والمفكرون في الوطن، كذلك وجود الكُتَّاب مرهون برئيس التحرير الذي قد لا يوفق أحياناً في الاختيار، وأحيانا أخرى لا يحب أن يغامر كي لا يفقد مركزه».