أحيا عدد كبير من الفنانين والمثقفين العراقيين ذكرى مرور نصف قرن على وفاة أشهر النحاتين العراقيين، جواد سليم، عبر احتفالية نظمت مساء الجمعة تحت نصب الحرية الذي أنجزه الفنان العام 1961. وهذه هي المرة الأولى التي تنظم في العراق مثل هذه الاحتفالية التي أقامتها مؤسسة المدى للثقافة والإعلام والفنون، بالتنسيق مع أمانة بغداد. وقال الناقد صلاح عباس “مع الأسف، لا يوجد في العراق تقليد للاحتفاء بالفنانين والرموز الفنية، وهذه الاحتفالية تعبير خالص عن مكانة هذا الفنان، ودوره المؤثر في مسار الفن العراقي الحديث، وما تركه من إرث فني وثقافي”. وقدم الفنانان المسرحيان سامي قفطان، وعواطف نعيم، قراءات شعرية من قصيدة للشاعر العراقي الراحل عبد الأمير الحصيري، بعنوان “يا باسل الحزن”، كتبها بعد يوم من وفاة الفنان جواد سليم. كذلك، عرض في الاحتفالية التي أقيمت مساء في الهواء الطلق فيلم سينمائي بعنوان “جواد الحرية”، استعرض محطات ومسارات الفنان على الصعيدين الشخصي والفني. وشاركت كذلك الفرقة السميفونية العراقية. ولد جواد سليم العام 1921 في أنقرة، لأبوين عراقيين، وتحدر من عائلة اشتهرت بالرسم، فكان والده وأخوته سعاد ونزار ونزيهة، فنانين تشكيليين. وولع الفنان سليم منذ طفولته بأعمال الطين التي كان يصنع منها التماثيل والقطع كانت تدخل في لعب الأطفال. وأكمل سليم دراسته الابتدائية والثانوية في بغداد، ثم شارك في بعثة إلى فرنسا، حيث درس النحت في باريس العام 1938 في معهد الفنون الجميلة، وانتقل إلى روما للدراسة العام 1939، ثم أكمل دراسته بعدها في لندن من 1946 إلى 1949 في مدرسة “سيلد” الفنية. بعد عودته من لندن، عين رئيساً لقسم النحت في معهد الفنون، حيث كان يعمل معه كل من عطا صبري، وحافظ الدروبي، في بغداد، واستمر في عمله حتى وفاته في يناير 1961. وأسس الفنان الراحل جماعة بغداد للفن الحديث، مع الفنان شاكر حسن آل سعيد، والفنان محمد غني حكمت. ويعد أحد مؤسسي جمعية التشكيليين العراقيين. كذلك ساهم في تأسيس مدرسة عراقية في الفن الحديث. ووضع المعماري العراقي الشهير رفعت الجادرجي التصميم المعماري لنصب الحرية الشهير الذي نفذ في إيطاليا بمشاركة الجادرجي، ومحمد غني حكمت، حيث استفاد سليم من مشغل الأخير في روما لتنفيذ المخطوطات الخاصة بالنصب، والتي فقدت أثناء رحلة الفنان إلى روما معتمداً على ذاكرته في تصورها مرة ثانية. ويعد نصب الحرية الذي يقع في قلب العاصمة بغداد، وبدأ بتنفيذه العام 1959، من أهم النصب الفنية في الشرق الأوسط، لما يتمتع به من فخامة فنية ومعمارية. ويتكون النصب من 14 منحوتة ترمز إلى ثورة 14 يوليو 1958، ويبلغ طول القاعدة الإسمنتية المغلفة بالمرمر، والتي وضعت عليها المنحوتات، 50 متراً بارتفاع 8 أمتار عن الأرض، أما ارتفاع النصب الكامل حتى قمته فيبلغ 14 متراً. ومن أعمال سليم النحتية الشهيرة الأخرى تمثال”الأمومة”، وهي منحوتة خشبية بارتفاع مترين، عثر عليها في منطقة الميدان في بغداد العام 2003، بعدما تعرضت للنهب، فاشتراها الناقد صلاح عباس بمبلغ مئتي دولار، وأعادها إلى المتحف الوطني التابع لوزارة الثقافة. والمنحوتة الخشبية التي يقدر ثمنها بمئات آلاف الدولارات، وتزن ما يقارب 200 كيلوغرام عبارة عن امرأة رافعة يديها إلى الأعلى، ويتدلى من يدها اليسرى قلب علق إليها بخيط، إلا أنه لم يعثر على هذا الجزء، ويبدو أنه فقد أثناء أعمال النهب والسلب. وهذا العمل النحتي موجود الآن ضمن مقتنيات المتحف الوطني، إلى جانب أربعة أعمال في الرسم تعود للفنان. وتتولى جماعة أطلقت على نفسها اسم “جماعة إنقاذ الأعمال الفنية” المسروقة، وأعادتها إلى المتحف، وأسست بمبادرات شخصية من قبل عدد من الفنانين. وتوفي الفنان الراحل جواد سليم في 23 يناير 1961 نتيجة تعرضه لنوبة قلبية أثناء عمله في تثبيت المنحوتات في مكانها، بسبب الإجهاد الكبير الذي تعرض له. واعتبر الإعلامي والكاتب علي حسين أن الاحتفاء بجواد سليم “هو احتفاء برمز ثقافي وفني عراقي خالد نستذكر معه أصالة الفنان المدافع عن قضية شعبه”. جواد سليم (الشرق)
تفصيل من نصب الحرية لجواد سليم (الشرق) أ ف ب | بغداد