من أعظم المصائب أن يفقد الإنسان فلذة كبده، ابنه، حامل اسمه، مخلّد ذكره، إلاّ أنّ الإسلام وازن الحياة الدنيا مع الآخرة وجعل الحياة الدنيا اختباراً للمؤمن إن اجتازه خرج إلى الحياة الآخرة ينعم فيها بجنة الخلد وجعل الحياة معبراً إلى الآخرة تملؤها الأشواك الدامية فعليه أن يطيق الوطء عليها وبذلك بشّرهُ إن صبر وتحمّل بالبشرى التي ما بعدها ولا قبلها بشرى وقد جعل الله ممات سيدنا محمد عبده ورسوله المأمون تسلية لكل مؤمن محزون وقد رثاه شاعر الرسول حسّان بن ثابت قائلاً : فما فقد الماضون مثل محمد / ولا مثله حتى القيامة يفقدُ … بالأمس البعيد رحل (محمد) ابن صديقنا وكاتب الشرق عبدالوهاب العريض وبالأمس القريب كان القدر على موعد مع (محمد) الثاني ابن صديقنا الكاتب علي محمد الرباعي رحمهما الله مما أفجع قلوبنا وأسكب دموعنا وأثار أحزاننا ولكنه الموت تلكم الحقيقة الغائبة التي كتبها الله على كل حي.. سنّة الحياة التي لا يتخطاها بشر مما يعزي نفوس الوالدين في فقد ابنهما والتسليم لقضاء الله وقدره والرضا بحكمته والانتظار لموعود ثوابه وأجره وكلما احتسب العبد في فقد ولده كان ذلك في ميزان حسناته يوم القيامة. ومما يتميز به كاتبنا عبدالوهاب العريض أنه يستطيع إحياء وعد الفقد في خاطره ويثريه لقرائه الكرام لاسيما أنه قد جربّه يحكي عن تجربة صادقة أثرت في وجدانه وكان لها صداها المؤثر في نفسه وأسرته الكريمة التي لا يزال يتجرّع مرارتها حتى الآن بدليل ما كتبه عن فقد ابن صديقه علي الرباعي وكأنه يرثي ابنه «محمد».. الابتلاء في الأبناء من أعظم الابتلاءات وأثقل الأنكاد وهو نار تستعر في الفؤاد وحرقة تضطرم في الأكباد ولهذا كان ثواب الصبر عليه جزيلاً ويكون أجره في ميزانه يوم القيامة ثقيلاً. عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما « أنّ رجلاً من الأنصار كان له ابن يروح إذا راح إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال : « أتحبّه ؟ « فقال : نعم يانبي الله فأحبّك الله كما أحبُّه فقال : إنّ الله تعالى أشدُّ لي حبّاً منك له، فلم يلبث أن مات ابنه ذاك، فراح إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وقد أقبل عليه ابنه فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم « أو ما ترضى أن يكون ابنك مع ابني إبراهيم يُلاعبهُ تحت ظلّ العرش ؟ قال : بلى يارسول الله» أخرجه الطبراني في معجمه الكبير. وصح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: يقول الله ( مالعبدي المؤمن جزاء إذا قبضت صفيّه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلاّ الجنّة.) .. وجاء عن زيد بن أسلم قال (مات ولدٌ لداود النبي عليه الصلاة والسلام فحزن حزناً شديداً فأوحى الله إليه «ما كان يعدل هذا الولد عندك ؟ قال : « يارب هذا عندي ملء الأرض ذهباً قال فلك عندي يوم القيامة ملء الأرض ثواباً». يجري القضاء وفيه الخير نافلة / لمؤمنٍ واثق بالله لا لاهي / إن جاءه فرجٌ أو نابه ترحٌ / في الحالتين يقول الحمدلله . وإنّ العين لتدمع والقلب ليبكي وإنّا على فراقكما يامحمدان لمحزونون .. وليصبر الوالدان وليحتسبا فإن لله ما أعطى وله ما أخذ.