احتفلت المملكة يوم الثلاثاء الماضي باليوم العالمي للمعاقين، ذاك اليوم الذي جاء (معوقا) من تلبية الاحتياجات الحقيقية لتلك الفئة التي تقدر أعدادها حسب إحصائية حديثة غير رسمية بسبب تجاهل الوزارات المعنية، وجود 900 ألف حالة في المملكة حيث بلغت نسبة الأطفال 3838 ألف حالة، بما يعادل 6% من عدد الحالات، واحتلت الإعاقة الحركية النسبة الأعلى بين الإعاقات وهو ما دعا منظمة الصحة العالمية إلى أن تضع المملكة في التصنيف (ب) كأحد البلدان الأكثر إصابة بتلك الإعاقة، وبينت الإحصائية أن 43.7% من إعاقات السكان السعوديين تعود إلى أسباب خلقية و23.8% إلى المرض و8.8% إلى أسباب متعلقة بالولادة و6.9% إلى أسباب متعلقة بالحمل و16.8% إلى حوادث السير، لتبلغ نسبة ذوي الاحتياجات الخاصة من الذكور 65% و35% للإناث لا يتلقى منهم الخدمات سوى 24 ألف حالة فقط، منهم 1300 ذكر في دور التأهيل الشامل، و1250 حالة من الإناث. مضى ذلك اليوم، ولم يتغير حال ذوي وذوات الاحتياجات الخاصة كما يحدث دائماً في احتفالاتنا بتلك الأيام العالمية، حضر المسؤولون ب(بشوتهم) المطرزة ليحتفلوا بذلك اليوم وليدلوا بتصريحاتهم الرنانة عن مدى مشاركتهم لذوي الاحتياجات الخاصة، إلا أنهم لم يقدموا ما كان يجب عليهم تقديمه لتلك الفئة من خدمات داخل وزاراتهم ومؤسساتهم الخدمية، ولم يكلفوا أنفسهم سرد منجزاتهم (العظيمة)، ولم يطالبهم رؤساؤهم بكشف حساب عن أعمالهم. إن جميع القوانين والأنظمة الموجبة لاحترام (إنسانية) تلك الفئة التي سنت بمراسيم ملكية لا تزال معطلة، فمثلاً نظام رعاية المعوقين الذي صدر بموجب المرسوم الملكي بالرقم (37/م) والتاريخ 23/ 9/ 1421 القاضي بالموافقة على قرار مجلس الوزراء بالرقم (224) والتاريخ 14/ 9/ 1421 الذي أكد على حقوق (المعاق) ورسم خارطة طريق لما يقدم له من خدمات كالخدمات التعليمية والتربوية في جميع المراحل (ما قبل المدرسة، والتعليم العام، والتعليم الفني، والتعليم العالي) بما يتناسب مع قدرات المعوقين واحتياجاتهم، وتسهيل التحاقهم بها، مع التقويم المستمر للمناهج والخدمات المقدمة في هذا المجال، إلا أننا (رغم ذلك المرسوم) نجد أن بعض فئات ذوي الاحتياجات (تتكسر) أحلامهم خاصة من ذوي الاضطرابات السلوكية والانفعالية، والإعاقات الحسية المزدوجة في وجود مقاعد لهم للدراسة، والتوسع في تقديم الخدمات لفئات أخرى مثل ذوي صعوبات التعلم واضطرابات التواصل وعدم تضمين مناهج التعليم العام نصوصاً توعوية عن (المعوقين) وطرق التعامل معهم. وفي الوقت الذي طالب فيه (المرسوم) بتقديم الخدمات التدريبية والتأهيلية بما يتفق ونوع الإعاقة ومتطلبات سوق العمل، لا نجد ذلك على أرض الواقع فتلك الفئة لا تزال نسب البطالة بها مرتفعة رغم تحايل القطاع الخاص الذي وجدت بعض مؤسساته مخرجا من عقوبات (السعودة) والهروب من (النطاق الأحمر) باستغلالهم في التوظيف الوهمي، كأفراد (معوقين) يقابل الواحد منهم أربعة مواطنين أصحاء. لقد حدد النظام (المهمش) حقوق ذوي الاحتياجات ليس فقط في تأهيل المرافق والتدريب والتوظيف بل حتى في المجال الثقافي والرياضي والإعلامي فقد نصت مادته الخامسة على إنشاء صندوق لرعاية المعوقين (رغم عدم صحة هذا المصطلح) يتبع المجلس الأعلى (الذي أنشئ لتلك المهمة) وخصصت له ميزانية تطبق عليها أحكام الميزانية العامة للدولة ويتألف من (نفر) من الوزراء تؤول إليه التبرعات والهبات والأوقاف والغرامات المحصلة عن مخالفة التنظيمات الخاصة بخدمات المعوقين، كما نصت على منح الدولة (المعوقين) قروضاً ميسرة للبدء بأعمال مهنية أو تجارية تتناسب مع قدراتهم سواء بصفة فردية أو جماعية. إن أسلوب صياغة (النظام) جاء بشكل متقن كما أن سرعة إقراره من مجلس الوزراء وصدوره كنظام ملزم كمرسوم ملكي لم تتجاوز عشرة أيام فقط وهذا دليل على حرص (القيادة) على هذه الفئة إلا أن تطبيقه على أرض الواقع (وهي المشكلة الأزلية لدينا) من قبل القائمين والوزارات المعنية لم يتم حتى الآن رغم مرور 16 سنة من صدور (المرسوم). إن مطالب ذوي الاحتياجات مطالب (حقوقية) وليست ثانوية فمن حقهم على وزارة الصحة توفير مراكز صحية متخصصة في علاجهم وملبية لاحتياجاتهم والحصول على برنامج ضمان طبي حكومي وإضافة خدمات علاجهم ضمن الخدمات المغطاة من شركات التأمين وتخصيص مكاتب لخدمتهم في المستشفيات، ومن حقهم أيضا على وزارة البلديات عدم منح تراخيص لإنشاء أي منشأة خدمية أو سكنية أو تجارية ما لم تكن ملائمة لظروفهم مع تنظيم الشوارع والممرات والأرصفة لكي تتلاءم مع إعاقاتهم المختلفة. كما من حقهم على وزارة النقل إلزام شركات النقل العام والأجرة بتجهيز المركبات لتلبي احتياجاتهم، ومن حقهم كذلك على وزارة الشؤون الإسلامية إلزام المساجد والمنابر الدعوية بالترجمة للغة الإشارة وتهيئة المساجد، كما من أحد حقوقهم على وزارة العدل إيجاد مكاتب خاصة بالمحاكم وتأهيل القضاة لكيفية التعامل معهم. ومن حقهم على وزارة العمل إعداد برامج تأهيل مهني تواكب متطلبات سوق العمل بما يحقق استيعاب قوائم الانتظار الموجودة لدى وزارة الشؤون الاجتماعية. أيضا من حقهم على وزارة التعليم العالي قبول جميع المعوقين المؤهلين في مؤسسات التعليم العالي مع ضرورة إيجاد برامج التهيئة وبرامج المتابعة التي تضمن نجاحهم. ومن حقهم على وزارة الإعلام إعداد برامج توعوية وتعريفية خاصة بهم، تعرف بالإعاقات وأنواعها، وسبل التعامل معها، وتساهم بتعريف المعوقين بالخدمات المقدمة لهم، ذلك جزء من حقوقهم (والقائمة تطول لتنتهي بحقهم في مضاعفة الإعانات المالية المقدمة لهم من الدولة التي تعد الأضعف مقارنة بدول الجوار، والأهم من ذلك حقهم علينا أن يشعروا بإنسانيتهم).