من يعتقد أن مستوى الوعي الشعوبي اليوم يشبه الحال قبل بضع سنين فهو واهم. ولو أمعن التفكير للاحظ كيف استطاعت ثورة الإنترنت ووسائل التواصل الإلكترونية تجاوز كل الحواجز الجغرافية والبشرية من فكرية وسياسية واجتماعية. في الماضي، كانت المجتمعات تتشكل حسب قناعات ومبادئ قبائلها وما ترسمه لها قياداتها وعلماؤها من سياسات وأيديولوجيات وعبر وسائل تواصل مقننة تقوم عليها أجهزة رقابية. ولكننا اليوم نشهد اختلافا جذريا مع سقوط كل الحدود بين دول العالم شرقها وغربها ذابت معها معظم الفروقات وانتشرت المعلومة غير الموجهة وظهر ما يشبه علم “إعلام الفرد”، حتى أصبح بمقدور كل فرد التواصل مع العالم من جهاز كمبيوتره عبر توظيفه للوسائل الإعلامية من صوت وصورة عابرا بها المحيطات والقارات ومخترقا للصوت والزمن ومقص الرقيب وجواز السفر. وعلى الرغم من بعض السلبيات إلا أن لهذه الثورة الإلكترونية إيجابيات عديدة فهي تساعد على تبلور وتكوين شخصية الفرد، بعيدا عن القولبة المجتمعية. لقد اتسعت رقعة المجتمع متجاوزا القبيلة والمدينة والبلد ليشمل شعوب الأرض كلها. واتسع محيط الطفل ليشمل العالم كله. فتجده وحيدا في غرفته ولكنه يلعب مع أطفال في أقصى رحاب الأرض عبر جهازه الإلكتروني متجاوزا عوائق اللغة والسياسة، والغريب أنه مستمتع ومتجاوب. هذا التقارب تنطوي عليه مبادئ وقيم كثيرة ستنمو مع الطفل، ومنها قبول الآخر واحترام عقله وإنسانيته وعلمه والتمييز بين الغث والسمين والمنطقي وغيره. كما أنها ستسهم في إزالة الخلاف وقبول الاختلاف وستشجع أبناءنا بلا استثناء على حب التعلم عبر الترفيه وهو ما فشل فيه التعليم العام التلقيني بسبورته وكتابه ومعلمه ومدرسته.