الفتاوى (عمال على بطال) ملأت الفضاء، وأخشى أن يأتي علينا يوم نجد فيه دكاكين فتاوى، كأن يفتح شخص دكان لفتاوى الزواج، وآخر لفتاوى القروض لهوامير السوق، وبجواره محل فتاوى زواج المسيار، وبينها مقهى فتاوى على الماشي، عن موسم الفقع، وأكل الجح، ومفطحات الصيف، وحكم الرصّة في البلوت، وهكذا تتحول مساحات الفضاء الذي يسطّح عقول المشاهدين العرب إلى منافسة أرضية لدكاكين فتاوى التسوق، وبقالات “سين جيم” واللي ما يشتري يتفرج. هذا الكلام الساخر قد يدفع أحد قبائل “بني خيبان” لجلد مقالي المتواضع بعبارات الإقصاء المعتادة، ومن ثم تصنيفي في القوائم إياها، لكن يكفيني أن الملك عبدالله بن عبدالعزيز أصدر قرارا بقصر الفتوى في القضايا العامة على أعضاء هيئة كبار العلماء، وأن مجلس الشورى هدد بملاحقة فتاوى التكفير، وحذر وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد دعاة الفضائيات من إصدار الفتاوى الشاذة، وأوصاهم أن يغلبوا جانب السلامة في دينهم، ومراعاة مآلات الفتوى. آخر صرعات الفتوى وصل بالبعض إلى “جواز قتل أصحاب القنوات الفضائية”، وشيخ آخر أفتى ب”رضاعة الكبير” مثل السائق، وآخر أفتى بهدم الكعبة منعا للاختلاط، ولا نعلم إلى أين يتجهون بالمجتمع! هناك تحرك جاد لتطويق أزمة الفتوى التي تجاوزت “أجرؤكم على الفتوى أجرؤكم على النار” لأنها بصريح العبارة أصبحت مهنة استرزاق لكل من هب ودب، وقد تصل لبسطات أمام الجوامع والساحات العامة!