في بداية كل موسم رياضي تبدأ القنوات الرياضية في إعداد برامج متنوعة وحوارات رياضية تتناسب مع الموسم الرياضي الجديد، ومن المعلوم أن أكثر البرامج التي تستحوذ على أكبر قدر من المشاهدة والمتابعة هي الحوارية الرياضية التي تأتي عادة بعد كل نهاية مباراة من مباريات الدوري. في السنوات الماضية تعرّفنا على كثير من الوجوه الإعلامية الرياضية التي شاركت في أغلب البرامج الرياضية من خلال الحوارات التي تتم عبرها، وهذا السنة نشاهد الأسماء والوجوه نفسها لم تتغير إلا ربما في انتقالهم إلى قنوات أخرى فقط، ومعظم تلك البرامج الحوارية تُبث في أغلب الليالي، ولذلك لابد لهم من البحث عن أساليب الإثارة والمتعة وكيفية جذب مشاهدين كُثر لبرامجهم، ومن هنا تقوم منهجية بعض البرامج على طرح قضايا رياضية، إما حدثت أثناء سير بعض المباريات وإما أخطاء تحكيمية حصلت، وإما بعض المشاغبات التي تحدث من قبل بعض المشجعين غير الواعين في بعض المباريات، وذلك بهدف توفير مادة دسمة لتلك البرامج الرياضية، وبعد بداية الحوار والتحاور تبدأ الانفعالات للمتحاورين مع تعاطيهم أبعاد تلك القضية، إما بسبب انتماء المحاور إلى فريق معين وإما كرهاً في الفريق الآخر، وهذه الإثارة ربما تكون مصطنعة ومتفقاً عليها من الأساس؛ لإنعاش البرامج بالمشاهدين، مما قد تسبب في كثير من الأحيان في تغذية روح التعصب لدى شريحة كبيرة من الجمهور الرياضي وخصوصاً الناشئين منهم؛ لأن الناشئين إذا شاهدوا وتابعوا تلك البرامج الحوارية التي يغلب عليها التلاسن والتراشق بالكلام وتذكية روح التعصب الرياضي في نفوس الجماهير فإنهم سوف يقلدونهم ويحذون حذوهم، ومن ثم فإن الخاسر الأكبر هو الوسط الرياضي عامة ومشجعو الرياضة خاصة. وكما يعرف الجميع أننا نعاني في الفترة الماضية من انتكاسة رياضية في كرة القدم سواء على مستوى المنتخب أو الأندية، وأصبحت منافستنا الخارجية ضعيفة وهزيلة جداً، وهذا من وجهة نظري بسبب تعزيز بعض المفاهيم الخاطئة وتغذية روح التعصب الرياضي بين الجماهير، كذلك غياب التركيز فيما يهم رياضة الوطن من إعداد برامج وخطط مفيدة ومتطورة تخدم رياضتنا وجمهورنا الرياضي، أضف إلى ذلك أن ميول بعض المشجعين وللأسف تجاه أندية الوطن، وهي تلعب مع أندية خارجية صار غريباً ومحيراً؛ لأنك تشاهد من أبنائنا من يشجع فريق الخصم ضد فريق وطنه، فلماذا يحدث هذا في وطننا؟ إنها بسبب روح التعصب الرياضي التي انتشرت كالنار في الهشيم بين الجماهير الرياضية في كل مناطق المملكة، ولاشك أن الإعلام الرياضي سواء المرئي أو المقروء أو المسموع له دور في وجود هذه المشكلة فهو الذي غذّاها بعلم منه أو دون علم من خلال ترك الحبل على الغارب لمن هم متعصبون رياضياً، والسماح لهم بالتصرف بأريحية سواء عبر الصحف أو البرامج الرياضية. ومن وجهة نظري فإن الشحن العاطفي المتأزم من خلال تلك البرامج الرياضية الحوارية هو من أوصلنا إلى مرحلة التعصب الأعمى، وهذا في حد ذاته كافٍ لنسف بيئة التنافس الشريف سواء بين الجماهير أو الرياضيين كافة بمختلف ميولهم، وكما هو معلوم أن الرياضة تقوم على الميول والعاطفة، فنشاهد نقاشات في ظل الشحن النفسي تتحول إلى دفاع مستميت من كل طرف ليعزز رأيه وفكرته، حتى أنه في بعض الأحيان تصل الأمور إلى أن تصبح القضية ذات شأن شخصي، ولا يمكن التنازل عن الرأي والفكرة، ومن ثَمَّ ندخل في مرحلة الإقصاء والأحادية في الرأي التي هي ضد الحوار وأساليبه. عموماً، إعلامنا الرياضي في حاجة إلى إجراء عملية مراجعة وتطوير لكثير من برامجه بغية الوصول إلى رفع شعار: «لا للتعصب الرياضي ونعم للتوافق الرياضي» من خلال تعزيز البرامج الرياضية بأفكار جديدة وبضيوف ومشاركين متخصصين في مجالات عدة كعلم الاجتماع وعلم النفس، والتربية، وغيرها حتى يستطيعوا إجراء عملية توازن كبيرة في الوسط الرياضي من خلال البرامج الرياضية لتعم الفائدة والمتعة لأبنائنا العاشقين للرياضة والمتابعين لها، ونضمن لأولادنا الصغار أنهم يسيرون بأمان في تشجيعهم للأندية ومتابعة مبارياتها. وختاماً من المهم جداً أن ندرك أن الأمر تجاوز الرياضة إلى الشعور الوطني، وهذا قطعاً يؤسس لجيل جديد متعلق بالرياضة، ويستقي من فعالياتها ومنافساتها شعوره الوطني، خصوصا إذا تذكرنا أن معظم المتابعين اليوم هم من الناشئة، ولذلك مطلوب أن ننظر إلى الأمر بشكل أكثر عمقا وأبعد من حدود الرياضة، ولكي نستطيع إعادة بناء الوسط الإعلامي الرياضي علينا إعادة تأسيس ثقافة رياضية قائمة على المتعة وثقافة قبول الهزيمة والإخفاق وقبول الرأي والرأي الآخر، وهذا يتطلب مجهوداً تشترك فيه جهات عدة حتى من خارج المؤسسات الشبابية. والمتابع لمباريات كرة القدم العالمية يشاهد المتعة في الأداء والأخلاق؛ لعدم وجود شحن نفسي في أغلب مبارياتهم، وحتى عند نهاية كل مباراة تجد الفريق الخاسر يهنئ الفريق الفائز، والعكس بالعكس وهذه هي أساسيات كرة القدم وأهدافها التي وجدت من أجلها.