بدأت في قطاع غزة تظهر مهنة جديدة للتغلب على الحصار الإسرائيلي المفروض منذ أكثر من ثلاثة أعوام، وهي "التنقيب عن الحصمة" من أجل تأمين لقمة عيش كريمة لمئات الأسرة الفقيرة. علاء الملالحة (24 عاماّ)، الذي يقطن في قرية الملالحة جنوب غرب مدينة غزة، متزوج ولديه ثلاثة أطفال، يقول:'نقوم بالبحث عن الحجارة البالية من أكوام الردم والبيوت المهدمة ومن الشوارع، ثم ننقلها ب' كارة' يجرها حمار ونذهب بها للباعة من أصحاب معامل دق الحجار، فعندهم كسارات حجار ويتم تكسير الأكوام التي نجمعها ويعيدون عمل أحجار جديدة تستخدم في بناء المنازل وأسوارها، لانه لا يوجد مواد بناء في غزة، بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة'. الملالحة الذي يعيل إلى جانب أفراد أسرته والديه واخوته الستة يؤكد أنه كل يوم يقوم بجمع 'كارتين' أو ثلاث، وذلك 'حسب المناطق كان إذا فيها ردم كثير أم لا، وهذا يأخذ وقت من الصباح الباكر حتى آخر النهار يعني من الساعة السابعة صباحا حتى الساعة الخامسة مساء'. وبكل حسرة يقول وهو يمسك بيده فأساً ويضرب به كومة من التراب يبحث بها على الحجارة الصغيرة، 'انا الان في ريعان الشباب لكن انظر القلة ماذا تفعل بالإنسان فانا اجمع الحجارة الصغيرة بدلو واضعها على كارة الحمار حتى تمتلئ وأفرغها عند معمل الطوب ليتم اعادة استخدامها في البناء ولولا قلة الحال وعدم توفر المال لما رأيتني هنا، وانا على استطاعة أن احرث الجبال اذا وجد لي عمل'. اما عبد الكريم الحناوي(19عاماً) من قرية الملالحة فيقول: انه ترك الدراسة بهدف تأمين لقمة عيش لوالديه كبيري السن وأخوته الصغار، من خلال هذا العمل الشاق المجبر عليه بفعل العوز والحاجة. ويشير بأصبع يده وهو ينظر إلى 'كارة' الحمار التي يضع قطع الحجارة عليها ويقول: 'مقابل كل كارة بيتم ملؤها بالحجارة المكسرة نحصل على عشرة شواقل إلى خمسة عشر شيقلاً، أما سعر طن الردم من الحجارة المكسرة تقريباً خمسة وخمسين شيقلا'. ويفيد الحناوي بأن 'سعر كارة الحجارة المكسرة من نوع الصخر والحجر القدسي حوالي خمسين شيقل، وهذا النوع يستخدم لعمل الحصمة الكبيرة والبويا (البولسيد) ويستعمل في طلاء الجدران'. لكن زكي عبد الجليل (40 عاما)، من منطقة الصبرة وسط مدينة غزة، يشير الى انهم يقومون بشراء الحجارة البالية ويضعونها في كسارة تعمل بالكهرباء ويتم استخراج الحصمة الناعمة. ويضيف 'نعيد عمل الحجارة من جديد ونبيعها فمثلا حجر حجم 15سنتيمتر ثمنه 37شيقلا، وكل ذلك للتغلب على عدم دخول مواد البناء، خاصة الأسمنت نتيجة الإغلاق للمعابر ومنع إسرائيل دخوله للقطاع المحاصر منذ أكثر من ثلاث سنوات'. ويوضح عبد الجليل وهو يقف بجوار أبناء أشقائه الذين يساعدونه في العمل أن 'جميع أخوانه يعملون في هذه المهنة نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الأسر في غزة، بسبب فقدها مصدر رزقها بعد تدمير المنشات الصناعية والتجارية خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة وقبل الحرب'. فيما يقول صلاح فتوح (36عاما)، أحد سكان حي الزيتون شرق مدينة غزة، والذي يعمل في الطوبار والبناء إن:'عملية إعادة استعمال حجارة المنازل والمؤسسات والمصانع المدمرة ساعدت بشكل قليل جدا في حصول بعض عمال البناء على لقمة العيش من خلال هذا الجهد والعناء'. ويلفت إلى أن بعض معامل الحجارة صارت تصنع الحجارة وتشغل عدداً من العمال الذين يعيلون أفراد أسرهم بعد أن حرموا من جلب قوت أطفالهم بفعل التدمير الإسرائيلي الممنهج للمصانع والمتاجر والورش بهدف القضاء على الاقتصاد الفلسطيني وجعل العامل متسول في الشوارع يبحث بين أكوام المنازل المدمرة'. ويكافح المواطنون في البحث عن لقمة عيش أطفالهم في غزة، بالعمل في مهن خطرة كالحفر بالأنفاق الممتدة أسفل الشريط الحدودي جنوب القطاع، حسبما أفادت تقرير لمنظمات دولية إنسانية والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، حيث أن البطالة في غزة قد وصلت لمعدلات قياسية وأنها أثرت بالسلب على مستوى المعيشة الذي بلغ حدوداً متدنية للغاية، ووصلت البطالة في صفوف الشبان نسبة72.6%. . وخلفت الحرب الإسرائيلية، التي شنت على قطاع غزة في الشتاء الماضي، مئات آلاف الأطنان من الركام بعيد تدميرها المنازل والمصانع والمتاجر والمدارس والمساجد والمؤسسات الرسمية والخاصة، مما حدا بالمنظمات الدولية بإزالتها وخلق فرص عمل لمئات المواطنين، وذلك بتمويل كندي وسويدي، حيث لجأ الغزيون إلى الاستفادة من هذا الركام بعمل بعض الطرقات وترميم ما يمكن ترميمه من المباني والمؤسسات.