حذر اقتصاديون من تضاعف ديون الأسر الخليجية لدى البنوك بعد ارتفاع حجم عمليات الإقراض الفردية التي شهدت تزايدا ملحوظا فيما يخص التمويل الاستهلاكي وتراجع التمويل الاستثماري للأفراد. وأوضحوا في حديثهم لصحيفة الاقتصادية التي نشرت الخبر ، أن حجم الإنفاق تحول من استثماري إلى استهلاكي في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، وأن حجم القوة الشرائية يرافقه نمو في مديونية الأسر لدى البنوك، ولا بد أن يكون لدى الأسر موازنة وضبط في عمليات الإنفاق واعتماد سياسة الادخار، خاصة أن هذا العام مختلف عن السنوات السابقة، فالأزمة الاقتصادية بدأت تطل برأسها من جديد، وسط تقلبات اقتصادية يشهدها الاقتصاد العالمي. وأوضح زياد دباس خبير اقتصادي ومدير السوق الداخلية في أبو ظبي، أن حجم الإنفاق بصورة عامة للأسر الخليجية مرتفع، خاصة أن دخل الأسر الخليجية ارتفع هذا العام بسبب الإجراءات الحكومية في بعض الدول الخليجية كالزيادة في الرواتب، وأخرى قدمت دعما في المواد الاستهلاكية خلال هذا العام، مشيرا إلى أن ارتفاع إنفاق الأسر الخليجية بات واضحا خلال السنوات العشر الماضية، ولا يزال حتى هذا العام بسبب اعتيادهم على سياسية الإنفاق. وقال إنه من الملاحظ أن الأسر الخليجية تبالغ في الإنفاق على الرفاهية والسياحة وشراء المستلزمات والكماليات، خاصة مع موسم الأعياد بصورة مبالغ فيها، وإن معظم الأسر الخليجية أصبحت مدينة للبنوك بسبب قروض تلجأ إليها للحصول على تمويل للاستهلاك وليس بهدف استثماري. ولفت إلى أن ما شهدته السنوات الماضية من طفرة اقتصادية أسهمت في زيادة ثروة الخليجين ما بين عامي 2004 وقبيل الأزمة العالمية في 2008، حيث وفرت سيولة نقدية أسهمت في ارتفاع مستوى الإنفاق، مشيرا إلى أن حجم الإنفاق تحول من استثماري إلى استهلاكي صب في أسواق قطاع السيارات والعطور وقطاع السياحة والمواد الاستهلاكية الأخرى، حتى وصل الإنفاق إلى أرقام قياسية وأصبحت الأسر تنفق نسبة كبيرة من دخلها وأخرى أكبر من دخلها خلال العام. وبين أن شهر رمضان والأعياد فترة استثنائية حيث تبالغ الأسر في الإنفاق على الغذاء ومستلزمات العيد بجانب المتطلبات الأخرى، سبقتها تكاليف فترة إجازة الصيف. وتشير بعض التقارير الاقتصادية إلى أن هناك نموا واضحا في حجم الإنفاق الذي يتجاوز في مراحل نسبة دخل الأسر، مشيرا إلى أن هذه الظاهرة في تزايد، موضحا أنه نتيجة لارتباط عملات دول الخليج باستثناء الكويت بالدولار الأمريكي، هناك تراجع كبير في قيمة الدولار، أدى إلى رفع مستوى التضخم في الخليج، لذلك يلاحظ أن مستوى التضخم مرتفع، الأمر الذي بات يثقل كواهل المستهلكين بصورة واضحة. وشدد دباس، على ضرورة تكثيف حملات التوعية في سياسة إنفاق الأسر، لأن الديون باتت مرتفعة في قروض الأفراد التي تحولت إلى الإنفاق الاستهلاكي وأصبحت ظاهرة لافتة للنظر، مقابل تراجع القروض الاستثمارية للأفراد، الأمر الذي يستدعي دراسة هذه الظاهرة لخطورتها على المدى الطويل. وتوقع أن تتراجع معظم الثروات لدى الأسر الخليجية في قيمتها وتأثيرها في حجم الإنفاق، خاصة التي تم استثمارها في سوقي العقار والأسهم، إذ إن سوق الأسهم شهدت هبوطا أثر في الوضع الاقتصادي للأسر، وارتفاع نسب التضخم أثر أيضا في المقدرة الشرائية. ولفت إلى أن الأسر الخليجية اعتادت على الإنفاق ببذخ منذ عشر سنوات، وحتى الآن تعتمد هذه السياسة رغم ما مر به الاقتصاد في الأزمة المالية التي شهدها عام 2008 وتداعياتها الاقتصادية، إلا أن الأسر لم تع حجم الضرر والوضع الاقتصادي الحالي وتستمر بغض النظر عن إمكاناتها، فتلجأ إلى القروض البنكية، والمصارف الخليجية تشجع وتستهدف هذا الإقبال لتطلق عروضا مضاعفة للقروض الاستهلاكية، الأمر الذي له تأثيرات سلبية في المدى البعيد، حيث يؤثر في مستوى الأسر الاقتصادي الذي ينعكس عليها اجتماعيا. وأوصى دباس بضرورة توعية الأسر الخليجية بتأثير الظروف الراهنة، لا بد أن تشعر الأسر الخليجية بضرورة الادخار وموازنة حجم الإنفاق ليسهم في نمو ثروتها وتقليص ديونها في قطاع البنوك لينعكس إيجابيا على نمو البلد واقتصاده بشكل إيجابي. وقال إن ارتفاع حجم الإنفاق يرافقه نمو في مديونية الأسر لدى البنوك، معتبرها مؤشرات سلبية، خاصة في ظل ركود الاقتصاد العالمي وتداعياته. وأشار إلى أن بعض الدول الخليجية تعمل جاهدة في ظل نمو حجم الإقراض الفردي، حيث بدأ البنك المركزي في الإمارات بوضع أنظمة تحد من حجم القروض الكبيرة في البنوك، حيث تكشف التقارير الاقتصادية أن حجم الواردات ضخم جدا في الخليج نتيجة حجم الطلب المحلي للإنفاق الاستهلاكي المتسارع، وإذ لم يكن هناك ادخار في المقابل ينعكس على الاقتصاد المحلي ويعرض الأسر لمشكلات اجتماعية مستقبلا. من جانبه، قال الدكتور علي التواتي - أكاديمي وخبير اقتصادي - إن الظروف الراهنة أثرت في القدرة الشرائية لدى الأسر السعودية بعد ارتفاع الأسعار عالميا، وتزايد نسب التضخم المحلي الذي سجل نسبا مرتفعة، بسبب ارتفاع تكاليف إيجارات السكن بالدرجة الأولى والمواد الغذائية. ومن ناحية أخرى انخفاض القوة الشرائية للريال بسبب تأثره بانخفاض القوة الشرائية للدولار، فقيمة الريال تراجعت عن مستواها قبل ثلاثة أشهر، الأمر الذي يؤثر في قيمة المشتريات. وبين أنه لم يطرأ أي تغير على خفض تكاليف المتطلبات الأساسية للفرد كخفض تكاليف الإيجار، خاصة أن هذا العام مختلف عن السنوات السابقة، فالأزمة الاقتصادية تطل برأسها من جديد، ومن الملاحظ أن الأفراد بدأوا في ظل هذه الظروف التي يمر بها الاقتصاد العالمي وانعكاساتها التي أثرت في حجم الإنفاق يميلون إلى تقليل الإنفاق. كما توقع التواتي، أن هذه المخاوف قد تستمر حتى نهاية العام الحالي، في ظل التوقعات بانخفاض الطلب على النفط وبالتالي يؤثر في أسعاره، الأمر الذي قد ينعكس على إيرادات الدولة حتى نهاية العام، وتنعكس تبعاته على المواطن بشكل سلبي، فحجم السيولة يتراجع ما بين 20 و30 في المائة نتيجة تراجع أسعار النفط، إضافة إلى تراجع سعر صرف الدولار، والتضخم المحلي، ونتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية على مستوى العالم، جميع هذه العوامل تؤثر هذا العام في المقدرة الشرائية للأسر السعودية. وشدد التواتي على ضرورة أن تتخذ بعض الحلول التي بدأت بها بعض الدول الخليجية كتثبيت إيجارات المساكن لمدة تراوح بين ثلاث وأربع سنوات ومراقبة أسعارها، وعدم السماح بتحرير سوق المساكن، خاصة أنه ما زالت هناك أزمة في الإسكان، وبدأت وتيرة رفع أسعار إيجارات المساكن بنسبة 30 في المائة، الأمر الذي أثار قلقا لدى الأسر السعودية وحالة من عدم الاستقرار. من جهة أخرى، قلل الدكتور سعيد الشيخ كبير استشاريي البنك الأهلي في المنطقة الشرقية، من تأثر المقدرة الشرائية لدى الأسر السعودية في ظل العوامل الاقتصادية الراهنة، مشيرا إلى أن مستويات الإنفاق في ازدياد في ظل الإنفاق الحكومي العالي والتغيرات التي شهدتها البلاد، إضافة إلى مداخيل أخرى لدى الأسر السعودية من خلال تثبيت زيادة 15 في المائة لرواتب المواطنين وزيادة الراتبين، ورفع الحد الأدنى للأجور، الأمر الذي أسهم في نمو الإنفاق عند الأفراد، في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة. ووصف الشيخ الأوضاع بالمطمئنة، خاصة أن مستويات التضخم وما شهدته من ارتفاع في الأشهر الماضية لا تزال ضمن المتوقع، وبالمقارنة بالسنوات الماضية لمعدلات التضخم فهي متقاربة مع مستويات العام الماضي، وحتى النصف الأول من العام الحالي لم نصل إلى مستويات مقلقة جدا، وتبقى نسب التضخم في ظل الظروف الحالية التي يعيشها الاقتصاد الداخلي الذي ينمو بوتيرة عالية إلى حد ما معقولة، مشيرا إلى أن القدرة الشرائية وإن تناقصت إلى حد ما عوضتها الإجراءات التي طرأت في النصف الأول قد تخفض من تأثر هذه المستويات التضخمية مستقبلا