جميعنا يعرف المثل القائل " لسانك حصانك إن صنته صانك وان أهنته هانك " الأمثال تضرب ولا تقاس ، وهذا المثل له مؤشرات عديدة فهو يشير الى كيفية التعامل مع الآخرين ، والتعبير عن مكنون الصدور والقلوب ، فاللسان ترجمان القلوب والأفكار ، وهو الجوهرة الغالية الثمينة ، التي أودعها الله تبارك وتعالى في جسد بني آدم ، وسيلة التعبير ، وعن طبيعة خلق الإنسان ، فالكلام صفة المتكلم ، لأن الإنسان يعبر عن شخصيته من خلال كلامه الذي يتحدث به ، إن خيراً فخير وإن شراً فشر . هذه القطعة الصغيرة من اللحم داخل الفم كبيرة (الفوائد) كثيرة (الأضرار)..لسانُك.. مفتاح خير ومفتاح شرّ.. فربّ كلام أقطع من حسام وقديماً قال الحكماء: «البلاء موكّلٌ بالمنطق»..فأجرح جوارح الإنسان هو اللسان، وبالتالي فسلامة الإنسان في حفظ اللسان. فقد تشفى من جرح يصيبك.. لكنك قد لا تجد الشفاء من كلمة جارحة تهزّ مشاعرك.. وتقوّض أمنك.. وتؤرّق ليلك وتنكّد نهارك. ويقال«مقتلُ الرجل بين فكّيه» وقيل «ربّ رأس حصيد لسانِ»! قد تُطلِق الكلمة ل(المزاح) أو (اللهو) أو (الاستخفاف) أو (الهزء) أو (السخرية).. ولا تدري ما سيكون ردّ فعل مَن تطلقها عليه أو ضدّه.. فقد يردّ الصاع صاعين.. وتنقلب الكلمة المازحة إلى (قراءة الفاتحة)!! في التجربة الإنسانية العريضة.. لوحظ أن بعض نيران الحروب ابتدأت بإطلاق تصريحات وكلمات ناريّة، ثمّ اشتعلت لتأكل اليابس والأخضر، لهذا كلّه بنى الإسلام القاعدة الرصينة التالية:«المسلم مَن سلم المسلمون من لسانه ويده». حفظ اللسان، هو ألا يتحدث الإنسان إلا بخير، ويبتعد عن قبيح الكلام، وعن الغيبة والنميمة والفحش، وغير ذلك. والإنسان مسئول عن كل لفظ يخرج من فمه؛ حيث يسجله الله ويحاسبه عليه، يقول الله تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}. من أراد أن يسلم من سوءات اللسان فعليه أن لا يتكلم إلا لينفع بكلامه نفسه أو غيره، أو ليدفع ضُرَّا عنه أو عن غيره، و أن يتخير الوقت الملائم للكلام، وكما قيل: لكل مقام مقال. ومن تحدث حيث لا يحسن الكلام كان عرضة للخطأ والزلل، ومن صمت حيث لا يجْدِي الصمت استثقل الناس الجلوس إليه، وأن يقتصر من الكلام على ما يحقق الغاية أو الهدف، وحسبما يحتاج إليه الموقف، ومن لم يترتب على كلامه جلب نفع أو دفع ضر فلا خير في كلامه، ومن لم يقتصر من الكلام على قدر الحاجة، كان تطويله مملا، فالكلام الجيد وسط بين تقصير مخلٍّ وتطويل مملٍّ، وأن لا يتمادى في إطلاق وعود لا يقدر على الوفاء بها، أو وعيد يعجز عن تنفيذه. اللسان هو آلة البيان وطريق الخطاب .. له في الخير مجال كبير وله في الشر باع طويل ، فمن استعمله للحكمة والقول النافع ، وقضاء الحوائج ، وقيده بلجام الدين ، فقد اقر بالنعمة ووضع الشيء في موضعه ، ومن أطلق لسانه وأهمله ، سلك به الشيطان كل طريق ، ولا يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ، بل أن جوارح الإنسان كلها مرتبطة باللسان في الاستقامة والاعوجاج .في النهاية لا بد من التذكير بقول البلغاء : " في اللسان عشر خصال محمودة ، أداة يظهر بها البيان،وشاهد يخبر عن الضمير ، وحاكم يفصل الخطاب ، وواعظ ينهي عن القبيح ، وناطق يرد الجواب ، وشافع تدرك به الحاجة، وواصف تعرف به الأشياء، ومعرب يشكر به الإحسان ،ومعز تذهب به الإحزان ، وحامد يذهب الضغينة" . الدكتور عويد عوض الصقور كاتب و تربوي أردني