كنت أتساءل من صغري ماعلاقة الخمرة التي تسكب في البطن بغياب العقل، وما هذا الرابط العجيب بينهما بهذه القوة وهذه السرعة؟.. قد يبدو سؤالاً ساذجاً للوهلة الأولى، ولكنه عميق جداً ويكاد يشرح لنا بوضوح مدى تأثير كل لقمة وإن صغرت وكل جرعة وإن قلت. آخر الدراسات العلمية المحكمة في مجال علم النفس والسلوك تتحدث عن مدى تأثير الغذاء على السلوكيات الإنسانية بنسبة تفوق الثلاثين بالمائة من الأسباب الأخرى المتعلقة بالظروف المحيطة والبيئة، وهذه نسبة ليست بالقليلة أبداً، فتصور أن هذه السلوكيات العدوانية والمتطرفة أخلاقياً والغضوبة والنزقة والمستهترة كل هذه السلوكيات يلعب الغذاء غير المتوازن فيها بنسبة الثلث من بقية الأسباب الأخرى!. خذ مثلاً انخفاض مستوى المنغنيز يؤدي بشكل مؤثر على العاطفة حباً ورحمة وشفقة وإحساساً بالناس، وكذلك نقص فيتامينات بي يؤدي إلى اختلال الاتزان الانفعالي، وسرعة الغضب، والميل إلى الهياج والمشاجرات، وكذلك خذ مثلا نقص السكر السريع الناتج عن زيادة الأنسلين في الجسم يسبب شعوراً بالجوع، وهل بعد الجوع سلاح ! بعض التجارب الميدانية أثبتت أن تغيير الطعام وإضافة المكملات الغذائية استطاعت أن تغير في السلوك الإجرامي، وتقلص في السلوك المعادي للمجتمع، وقد وجد في عينة مسحية أن غالب من يمارس هذه السلوكيات من الطلاب يشكو من نقص في فيتامين سي وفيتامينات بي والزنك والسيلينيوم والمغنيزيوم وقد تم تحسنهم بنسبة خمس وأربعين بالمائة بعد أن وضعوا تحت برامج تغذية لمدة ثلاثة أشهر. وفي دراسة أخرى، وجدوا أن تناول اللحوم بأنواعها والأجبان والبيض والخبز والمربيات والسكر الأبيض بشكل مبالغ فيه مرتبط عند الطلاب بفظاظة السلوك وقسوة الأخلاق والسلوكيات المدمرة لممتلكات الغير واللامبالاة والتقلبات المزاجية السريعة. طبقت إنجلترا أيضاً دراسات على السجون لملاحظة مدى التغير على المجرمين ذوي السلوك الانتقامي والقتلة والمغتصبين عند تحسين الغذاء وإعطاء بعض المكملات الغذائية، وقد وجد تحسن يفوق الخمسين بالمائة في التحسن النفسي والسلوكي. وفي أمريكا طبقت دراسات على طلاب المدارس الإصلاحية، وتم إعطاؤهم الخضار والفواكه والأطعمة الطبيعية بدلاً من الأغذية الصناعية والسكريات وقد كانت النتائج باهرة ولا تصدق على مستوى السلوك والأخلاق. في الدنمارك طبقت في إحدى المدارس الابتدائية تجربة التغذية الكاملة وكانت النتائج ارتفاع في معدل الذكاء والتحصيل، وتحسن في التعامل مع الآخرين واختفاء مظاهر الاستقواء على الضعفاء أو الإهانة للحيوانات الضعيفة. وفي تجربة فنلندية على أحد سجونها وجدوا أن السلوك الإجرامي والعدواني له ارتباط بأحد أمرين، إما انخفاض في سكر الدم، أو انخفاض في مادة السوروتينيين، أو هما معاً، مما يسبب الشعور بالإرهاق وسرعة التهيج وضعف التركيز والعصبية والصداع. إذاً فلا تنخدع ببعض الشوكلاتات والسكريات ترمي بها في جوفك لتهرب من التوتر والهم والاكتئاب، فسرعان ماتتحول هذه السعادة السكرية إلى اكتئاب وحزن أكثر، ولا تتهور بشرب المنبهات والقهوات بزعم السيطرة على التوتر أو القدرة على التركيز إذ سرعان ما يتحول الكافيين إلى سبب قوي لزيادة التوتر والعصبية والاكتئاب، جرب أن تتوقف عن الأكل أو تصوم نصف نهار، أو صم يوماً واكسب أجراً وصحة، وعلى دروب الخير نلتقي.