لم يسأم السعوديون ممن يرتادون الدوائر الحكومية عبارة أكثر مما سئموا من عبارة "راجعنا بكرة " تلك التي تعني أن ذلك الموظف الذي يرميها جزافاً كل يوم، ربما لم يكن في مزاج جيد ذلك النهار لينجز معاملة ذلك المواطن، وربما لأسباب أخرى، إلا أنه وإن تكن الأسباب فإنها عبارة موجعة لكل مواطن تجرع عناء السفر لمدينة أخرى لمراجعة معاملته، أو قضى نصف نهاره في أمواج زحام السيارات من أجل ذلك الغرض، ويشير واقع الحال بجلاء إلى تفشي تلك البيروقراطية وكذلك الفساد في كثير من المرافق الحكومية الخدمية في طول البلاد وعرضها. لكن إرادة حكومية قوية لدى بعض الجهات الحكومية استطاعت أن تقفز على مزاج الموظف البيروقراطي، وفساد الموظف الفاسد، لتتيح للمواطن والمقيم تنفيذ معاملاته وهو في منزله، دون أن يضطر إلى التودد لموظفي تلك الجهات، فقد لعبت التقنية دوراً فعالاً في تسهيل إجراءات المعاملات لدى بعض الجهات الخدمية، الأمر الذي يعني عدم التعامل المباشر بين المراجع والموظف، مما سينهي البيروقراطية التي تعرقل وتؤخر إنجاز المعاملات، وسيقفل باب الفساد والرشا التي قد توجد في جهة ما. وعلى الرغم من أن ذلك يأتي في إطار التحول إلى الحكومة الإلكترونية، إلا أن الجهات الحكومية التي تتيح تنفيذ خدماتها إلكترونياً هي جهات معدودة، فباستثناء وزارة الداخلية، ووزارة التجارة، تبقى التجارب الحكومية في توفير تنفيذ المعاملات إلكترونياً تجارب خجولة، أو أنها ليست متاحة لدى الغالبية العظمى من الجهات الخدمية في الحكومة. ويرى د. متعب الشمري - الخبير في مجال الإدارة، وأفضل مختص في الموارد البشرية على مستوى العالم عام 2010م أن التوجه الحكومي لتقديم الخدمات للمراجعين إلكترونياً هو توجه سليم، يصحح من كثير من السلوكيات السلبية التي قد تعتري تقديم تلك الخدمات، ويمنح المراجعين فرصة تنفيذ أعمالهم دون اللجوء إلى البحث عن الواسطة أو المحسوبية، مبيناً أن ذلك يحيل بيئة العمل الخدمي الحكومي إلى بيئة نظيفة، وخالية من الفساد والبيروقراطية. وشدد الشمري على أهمية توجيه جميع الجهات الحكومية إلى إتاحة الفرصة لمراجعيها لتنفيذ معاملاتهم إلكترونياً، مستشهداً بتجربة دبي في المنطقة، مبيناً أنها تجربة قيادية في هذا المجال. وقال: إن تحقيق هدف الحكومية الإلكترونية يعني التحول التام والسريع لتقديم كافة الخدمات للمواطنين والمقيمين لإنهاء معاملاتهم من خلال التقنية، لما في ذلك من مكاسب إدارية كبيرة، ومنافع اقتصادية عظيمة تنعكس بشكل إيجابي على قطاع الأعمال على وجه التحديد، وأضاف: بأن اليوم الواحد يشكل فرقاً بالنسبة لقطاع الأعمال، مما يعني أن إتاحة الفرصة للأفراد والشركات لتنفيذ معاملاتها بشكل إلكتروني يسهل من تدفق الأعمال، ويزيح البيروقراطية التي طالما أعاقت كثيراً من المشاريع، وأخرت كثيراً من معاملات الأفراد. وبين الشمري أنه من المعروف في إدارة التغيير أن أي تحول حتى لو كان على مستوى تقديم الخدمات، فإنه يقابل بكثير من التوجس والتردد، وربما الرفض حتى لو أجمع الكل على أهميته وجدواه، وقال: يجب على القطاع الحكومي المضي قدماً في سبيل تحقيق الحكومة الإلكترونية، والاقتداء بتجارب إقليمية ودولية تؤكد سلامة وأهمية هذا التوجه.