أصبحت مراجعة كثير من الدوائر الحكومية من أجل إنهاء بعض الإجراءات تشكل عبئاً كبيراً على المواطنين والمقيمين، خاصة عندما يصطدم المراجع ببعض الإجراءات الروتينية "البيروقراطية" التي لا تزال تلك الجهات متشبثة بها، وذلك في وقت أصبحت فيه دول العالم تستعيض عن ذلك عبر الإفادة من وسائل التقنية الحديثة؛ لدرجة أن كثيراً منها نجح في تطبيق "الحكومة الالكترونية" في تعاملاتها بالكامل. تمدد مساحات المدن وزيادة أعداد السكان وكثرة احتياجاتهم تمثّل تحديات كبيرة أمام الجهات الخدمية وفي ظل تمدد مساحات المدن وزيادة أعداد السكان وما نتج عن ذلك من وجود الاختناقات المرورية وعدم توفر وسائل النقل العام وقلّة مواقف السيارات أمام بعض الإدارات الحكومية؛ فإن مراجعة تلك الدوائر باتت تشكّل هماً كبيراً ومشقة بالغة على المواطنين والمقيمين على حد سواء، وتزداد المعاناة حينما يواجه المراجع "بيروقراطية" تلك الجهات ولجوءها للتعاملات الورقية وما ينتج عنها من هدر للوقت والجهد، وبالتالي فإن المراجع قد لا ينجز ما ذهب لانجازه في اليوم نفسه، وربما تطلب إتمام ذلك مراجعة الدائرة نفسها لعدة أيام. إنهاء معاملات المراجعين يقلل من بيروقراطية كتابة «المعاريض» (أرشيف الرياض) ودعا مواطنون ومواطنات ومختصون إلى إعادة النظر في أسلوب تعامل الإدارات الحكومية مع المراجعين عبر الإفادة من وسائل التقنية الحديثة وصولاً إلى تطبيق "الحكومة الالكترونية"، إلى جانب التوسع في افتتاح المزيد من فروع الإدارات الحكومية الخدمية، أو اعتماد مكاتب صغيرة داخل الأحياء تكون نقطة وصل بين المراجع والإدارات الحكومية تسهيلاً على المواطنين، وكذلك إتاحة الفرصة لمراكز الأحياء لتؤدي دورها في خدمة سكان الحي عبر التواصل المباشر مع الجهات الحكومية، مشيرين إلى أن الجهات الحكومية ذات العلاقة بالجمهور مطالبة بتقنين إجراءاتها وتحديد ما تحتاجه من مستندات وطلبات، على أن توضع بعد ذلك في قوائم تُعلَّق في مداخل الإدارات؛ لمنع استغلال المراجع وتخفيفاً على موظفي تلك الإدارات من ضغوط الاستفسارات المتكررة، مشددين على ضرورة المتابعة والرقابة على الموظفين؛ لضمان عدم حدوث تجاوزات وحفظ حقوق المراجعين. تسهيل الإجراءات ودعت "فاطمة سليمان" - مواطنة مطلقة - إلى إعادة النظر في أسلوب تعامل الإدارات الحكومية مع المراجعين رجالاً ونساء، متسائلة عن استمرار المعاناة في هذا الشأن كلما استدعى الأمر مراجعة تلك الإدارات، خاصة تلك التي ليس لها إلاّ مقر واحد عادةً، مشيرة إلى تجربتها الشخصية مع عدد من الجهات الحكومية، ومنها "إدارة الضمان الاجتماعي" في "محافظة جدة"، إذ تنفق مبلغاً مالياً لا يقل عن (100) ريال مقابل أجور النقل لتصل إلى هناك؛ نتيجة بعد سكنها عن مقر إدارة الضمان، مبينة أنها تضطر أحياناً إلى مراجعة المقر أكثر من مرة في العام الواحد. سعد الحاوي وأضافت أن معاناتها للوصول إلى مقر إدارة الضمان لا تتوقف عند هذا الحد، بل يضاف إلى ذلك تلك الاختناقات المرورية والازدحام في الشوارع وداخل الدائرة الحكومية، موضحة أن المعاناة نفسها تتكرر عند مراجعتها المحاكم الشرعية وغيرها من الإدارات الحكومية الأخرى التي تتطلب حضور المراجع بصفة شخصية، مشيرة إلى أن الجهات المعنية بالتطوير الإداري مطالبة بتسهيل الإجراءات وتطوير التواصل الالكتروني، وذلك كما هو معمول به في بعض الجهات الحكومية التي سهّلت على مراجعيها إنهاء الإجراءات المطلوبة عن بعد، لافتة أن ذلك ممكن في ظل توفر كل الإمكانات المطلوبة في هذا المجال. وشددت على ضرورة إفادة الجهات الحكومية الخدمية من خدمة "الانترنت" التي أصبحت متوافرة بشكل سهل وميسر، مضيفة أن من شأنها القضاء على كثير من المشكلات الناتجة عن "البيروقراطية" وضمان سرعة إنهاء المعاملات وتقليل الاعتماد على الواسطة أو إنهاء المعاملات بطرائق غير مشروعة، مؤكدة أن ذلك من شأنه أن يقضي كذلك على فساد بعض الموظفين ويضمن عدم استغلال المراجعين بطريقة أو بأخرى. حسن بصفر مكاتب داخل الأحياء وأشار "سعد الحاوي" إلى أنه مرّ بتجربتين مريرتين عند مراجعته "إدارة الجوازات" لإنهاء بعض الإجراءات المتعلقة ببعض المعاملات، مضيفاً أن الأولى كانت حينما راجع إدارة الجوازات في "الكندرة" لتصحيح وضع عامل لديه، إذ أضطر لقطع مسافات طويلة بين أقسام الإدارة في مبنى متهالك يفتقد للمصاعد ومواقف كافية للسيارات، مبيناً أنه على الرغم من وضعه الصحي الصعب حيث لا يمكنه المشي إلا بصعوبة، إلاّ أنه أضطر إلى الاستناد على الجدران وتحمل الآلام المبرحة للوصول إلى الموظف المختص الذي كان يتعامل مع المراجعين بكل فظاظة، موضحاً أن إنهاء إجراءات معاملته تطلّب مراجعة الإدارة عدة أيام عانى أثناءها شتى أنواع الألم النفسي والجسدي. وأضاف أنه عاش هذه المعاناة مرة أخرى حينما راجع "إدارة الجوازات" قبل سفره في رحلة علاجية لتجديد جواز السفر الخاص به، موضحاً أنه تفاجأ حينها بوجود أعداد كبيرة من المراجعين، مشيراً إلى أن عددهم بلغ (700) مراجع بناءً على تسلسل أرقام المراجعين في ذلك اليوم، مؤكداً أن ذلك جعله يذهب إلى مدير الإدارة ليشرح له وضعه الصحي، داعياً الجهات المعنية إلى اعتماد مكاتب صغيرة داخل الأحياء تكون نقطة وصل بين المراجع والإدارات الحكومية تسهيلاً على المواطنين والمراجعين عموماً، أو تطبيق تجربة "إدارة الأحوال المدنية" التي افتتحت عدداً من الفروع في بعض المواقع وفعلت الخدمات الالكترونية فيها. د. علي الغامدي حكومة الكترونية وكشف "حسن بصفر" - رئيس مركز حي النهضة - عن توجه المركز لخدمة سكان الحي عبر التواصل المباشر مع الجهات الحكومية، خاصة البلديات الفرعية والأمانة وشرطة السلامة التي يتبع لها الحي، مشيراً إلى أن ذلك جاء بهدف تسهيل معاملات المواطنين وتخفيف الأعباء عنهم، لافتاً إلى أن مراكز الأحياء تعد نواة لمؤسسات المجتمع المدني التي تؤدي دوراً فاعلاً في خدمة الوطن والمواطن، مؤكداً أنها تكمل دور المحافظة عبر مد جسور التواصل بين المواطن والجهات الحكومية وتقديم الخدمات وتسهيل الإجراءات، وبالتالي تقليص المراجعات للدوائر الحكومية والتيسير على المواطنين. وأضاف أنه يتطلع إلى مجيء اليوم الذي تنتفي فيه الحاجة لمراجعة الدوائر الحكومية والاستعاضة عن ذلك باستخدام التقنية عبر التوسع في الخدمات الالكترونية وصولاً إلى "الحكومة الالكترونية"، مشيراً إلى أن "الحكومة الالكترونية" ستكون المنقذ من صخب المراجعات والبيروقراطية الإدارية، لافتاً إلى أن هناك توجهاً لدى مركز الحي لخدمة المسنين الذين لا يحسنون التعامل مع التقنية. الخدمة المدنية وأرجع "د. علي بن عبدالله الغامدي" - عضو لجنة الإدارة والموارد البشرية في مجلس الشورى - تعامل موظفي القطاع الحكومي وقطاع الأعمال مع المراجعين سواء كانوا مواطنين أو مقيمين إلى الثقافة السائدة في دوائر خدمة الجمهور، مشيراً إلى أنه على الرغم من تسمية قطاع التعامل مع الأجهزة الحكومية باسم "الخدمة المدنية" منذ سنين، إلا أن تعامل موظفي هذا القطاع لا يزال بعيدا عن مفهوم الخدمة وبعيداً عن مفهوم المدنية - على حد رأيه - موضحاً أن غالبية الموظفين لم يستوعبوا هذا المفهوم، ما أدى إلى تردي الخدمة المقدمة للمواطن أو المقيم، وبالتالي انعكس ذلك سلباً على سمعة الجهاز بأكمله. وشدد على دور التثقيف والتعليم من مرحلة مبكرة، خاصة فيما يتعلق بثقافة خدمة المواطن، وقال: "تعاملنا هو انعكاس للثقافة التي نشأنا عليها، وعن التعاملات الرقمية التي فرضت نفسها بقوة وأصبحت مسيطرة علي عالمنا ومهيمنة على تعاملاتنا"، مضيفاً أن هذه التعاملات الرقمية من الممكن أن تكون ملاذاً للتخلص من "البيروقراطية" واستغلال المراجعين وتقليل الشخصنة في التعامل والمزاجية وتحمل الضغوط، مشيراً إلى أن العديد من الجهات تحولت بالكامل ل "الأتممة الالكترونية"، وبالتالي نشأ عن ذلك هضم وضياع حقوق المراجعين، إلى جانب تقييدهم في تعاملاتهم. وأضاف أن الحال إذا استمر على هذا النحو فإن المراجع لا يكاد يصل لموظف خدمة العملاء إلاّ بشق الأنفس، كما أنه بعد أن يصل إليه هاتفياً قد لا يقدم له شيئاً ولا يجيب عن تساؤلاته؛ لأنه لا يمتلك إجابة لها ومن ثم يحيله لدوامة التعامل الرقمي مرة أخرى، مضيفاً أنه في مقابل التوسع في التعاملات الرقمية إلاّ أن العنصر البشري مهم في هذه التعاملات كافة، سواء كانت حكومية أو خاصة، مشيراً إلى أن الجهات الحكومية مطالبة بالتواجد في مناطق التجمعات، مثل "المولات" عبر توفير مكاتب استقبال مجهزة بعدد كاف من الأجهزة وعدد مناسب من الموظفين لاستقبال معاملات المواطنين وتقديم النصح والإرشاد اللازم لهم في هذا الجانب. تقنين الإجراءات وأكد "د. الغامدي" أن شريحة ليست بالقليلة من المراجعين لا تحسن استعمال التقنية ولا تجيدها وقد تقع ضحية للاستغلال، مشيراً إلى أن الجهات الحكومية ذات العلاقة بالجمهور مطالبة بتقنين إجراءاتها وتحديد ما تحتاجه من مستندات وطلبات، على أن توضع بعد ذلك في قوائم تعلق في مداخل الإدارات؛ لمنع استغلال المراجع وتخفيفاً على موظفي تلك الإدارات من ضغوط الاستفسارات المتكررة، مشدداً على ضرورة المتابعة والرقابة على الموظفين؛ لضمان عدم حدوث تجاوزات وحفظ حقوق المراجعين، لافتاً إلى أهمية توظيف التقنية الحديثة في رصد مدى استجابة ورضا المستفيدين عند قياس أداء الإدارة الحكومية، باعتبار ذلك أحد الأدوات المهمة في رفع مستوى الأداء وتحقيق رضا المراجعين وضمان حقوقهم.