فقدت العاصمة الإماراتية "ابوظبي" أحد أبنائها البررة، المخلصين لتاريخها وترابها، وفجعنا جميعا برحيل (محمد خلف المزروعي) السريع، اثر حادث سير أليم في المدينة التي عشقها "ابوظبي" وتلقينا خبر وفاته كالصاعقة، لهول الحدث الجلل غير المتوقع، وفقدنا أخا عزيزا وصديقا وفيا، وشكل لنا رحيله المفاجيء صدمة قوية، كما كان يشكل حضوره القوي الدائم والمتألق في المؤتمرات والندوات والمهرجانات المتعددة، ولا اعتراض على قضاء الله سبحانه، لكن الحزن عميق والخسارة كبيرة والفراق مر. عرفت المرحوم، منذ عشر سنوات، وصاحبته في عدة رحلات صيد أو سفر أو في المؤتمرات والندوات، وفي مجلس منزله المفتوح دائما والعامر بالضيوف من داخل الإمارات وخارجها، وكان منزله في ابوظبي يعج بالضيوف ليلا نهارا على مدار العام، من إعلاميين وشعراء وأدباء ومحبي هواة القنص والصيد، وشيوخ قبائل وأغلبيهم من المملكة التي يعبها ويحل أهلها. كان "أبوخلف" كريما معطاء ومضيافا، ولديه علاقات اجتماعية واسعة في دول الخليج والدول العربية، وقد تشرفت بلقاء الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد ابو ظبي والنائب العام للقوات المسلحة، في أكثر من مرة في منزل فقيدنا الراحل وتحدثنا عن الأدب والتقافة والتراث والصحافة. كان الفقيد محطة لقاء وتعارف للجميع، وكان موسوعة ثقافية وشعلة من العطاء والذكاء المتقد، ويتمتع بالديناميكية والحيوية على مدار اليوم، ومخزون هائل من الذاكرة، ولديه معرفة تامة بأبناء القبائل والعوائل والأصول والعادات والتقاليد، ومتابع جيد للأنشطة الثقافية والتراثية في الخليج والعالم العربي، بل حتى في العواصم الأجنبية، حيث استقطب العديد من الكفاءات المتخصصة ليعملون معه على قدم وساق من أجل خدمة "أبوظبي: لتصبح العاصمة الثقافية ومنارة مشعة تحتضن الأدب والعلم والمعرفة، بفضل من الله وجهوده الجبارة في خدمة الثقافة والتراث. وقد اشاع الراحل أسس واتساع ثقافة المعرفة والتراث والفلكلور، وخدم الساحة الأدبية والتراثية، بمشاريع شتى ومتنوعة، مثل أقامة معرض ابوظبي الدولي للكتاب، ونادي صقاري الإمارات وشاعر المليون، وأمير الشعراء، وأقامة معرض الصيد والفروسية، والسينما والمسرح، ومهرجانات الهجن والتمور وغيرها.. من خلال مبادراته المتعددة التي لاتعد ولاتحصى، ضمن تخصص عمله في إدارة المشاريع الثقافية المختلفة، كان يعمل بعين الفاحص والمتبصر الخبير في مجال المشاريع والمبادرات الثقافية، وساهم في تكريس ملامح الهوية الثقافية والتراثية لإمارة أبو ظبي الذي كان محب ووفي من اجل تطويرها وهويتها الثقافية وحضورها في وسائل الإعلام. فقيدنا الراحل كان نموذجا فريدا، رجلا خلاقا للمبادرة والعمل المخلص الدؤوب، في خدمة وطنه على أكمل وجه، وشكل مرحلة مهمة من مراحل التطور الثقافي والتراثي لمدينة التي كان يعشقها. ابوخلف.. شخصية جادة ومخلصة في عملها وذو خلق عال وكرم حاتمي لا يوصف، وأريحيه شفافة ونشاط قوي وبريق مفعم بالعطاء لاينضب، عرفته شهما وفيا كريما عندما يلجأ إليه احد المحتاجين من البسطاء أو الأصدقاء الذي يتعرضون للمحن والضروف القاهرة، فهو صاحب مبادرات إنسانية عديدة، ويمتلك قلبا كبيرا عطوفا، ولايغضب ولايهتز ولايستفز حتى من قبل خصومه رغم أنه لايوجد لديه مناكفات أو خصومات إلا ماندر، على حجم وكثر مشاغله واحتكاكه بالناس الكثر، وأنا أشهد بأنه قدم مساعدات إنسانية وخيرية، وقام بمعالجة أفراد ميؤوس من حالاتهم الصحية، فانبرى وتبرع لأجراء عملية جراحية له على حسابه الخاص، وبفضل الله ومن ثم اياديه البيضاء الكريمة شفوا من الأمراض وما زالوا على قيد الحياة. وقد لجأت له أكثر من مرة لمساعدة معسرين ومحتاجين فقام رحمه الله بمساعدتهم، وإنقاذ وضعهم من الهلاك والحاجة والعوز وخفف من معاناتهم. فكان -رحمه الله- يعطي ولايتبع عطاياه بالمنه، ويكرم كثيرا بصمت تام، وتعطي يمينه مالم تعلم شماله، هذه بعض خصائل وسجايا فقيدنا البيضاء، الذي خسرناه جميعا. رحم الله محمد خلف المزروعي رحمة واسعة.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.. والعزاء لإخوته وأسرته وجميع من يعرفه ولنا جميعا.