أمر بمرحلة هدنة مع نفسي التي أختلف معها كثيراً فنتجادل ونتحاور ونتبادل التهم! وهي مرحلة مهمة لأنها تساهم في زيادة جرعة الهدوء الداخلي وهذا الهدوء الداخلي تحتاجه كثيراً حين يكثر الإزعاج حولك وحين تصبح نغمة الأصوات اليومية التي اعتدت عليها مثيرة للأعصاب. والرضا عن النفس هذا موقت فهو مرتبط بسبب معين وحيد هو أنني توصلت لقناعة ساعدتني على التحكم في ردود فعلي الحمقاء، وبيني وبينكم لدي تاريخ طويل من ردود الفعل الحمقاء. فمثلاً في بدايات حياتي العملية كان لدي إحساس عظيم بضرورة الدفاع عن نفسي وعن آرائي بحماس، كانت تعليقات الآخرين تأخذ مساحة من وقتي ومن يومي ومن تفكيري، كنت أقيم كل تصرفاتي بمعيار الآخرين، زملاء عمل، أصدقاء أقرباء. كانت أي كلمة تقال تستدعي الرد الفوري أو المفاهمة، لم أكن أعرف أن ذلك كان يستنزفني ويسرق وقتي وراحة بالي. فالآخرون سيختلفون معك ولكل منهم وجهة نظر مختلفة في طريقة تسيير العمل في التعامل في طرح الآراء حتى في رؤيته للأمور وتقييمها، ليس بالضرورة أن يكون رأيهم فيك هو الصواب لمجرد أنهم قالوه بصورة تقريرية أو وجهة نظرهم هي خاطئة لمجرد أنك تختلف معها. حين تخليت عن حماقة الردود الدفاعية وعن التأهب الدائم عند النقاش مع الآخرين، بدأت أتنبه أن الكلمات المنتقدة ليس بالضرورة أن تكون فعالة أو هادفة أو سليمة وأن الكلمات المادحة ليس بالضرورة أن تكون دائماً صادقة. وبدأت أستمع جيداً لما يقوله الآخر وأضع كلماته في إطار موضوعي بعيداً عن الشخصنة. اكتشفت أنني عندما تجردت من شخصنة الأمور سهل عليّ تقبل ما يقوله الآخرون وعلى استيعابه وعلى الاستفادة منه إن كان مفيداً وعلى تجاوزه إن كان مجرد ضجيج جانبي. أيضاً جملي التبريرية أصبحت قليلة واختفت النبرة الدفاعية. وقلّ تأثري بآراء الآخرين التي تقيم تصرفاتي واختياراتي وقراراتي، وأصبحت أذكر نفسي بأن الشخص مثلاً حين يستخدم عبارات تنتقص منك فإن ذلك يعيبه لأنه لم يجد اختيار ألفاظه، الجمل والعبارات التي يختارها تعبر عنه لا تعبر عنك. حين توصلت لهذه القناعة لم أعد أتضايق حين تصادفني شخصيات عنيفة في اختيار ألفاظها أو حادة في انتقادها للآخرين لم أعد أتأثر سلبياً بالصوت العالي أو التصرفات العنجهية بل أحاول أن أتفهمها وأستوعبها في نطاق الموقف المحدود وأتجاوزها مبتسمة ولسان حالي يقول "انتقص كما شئت فكلماتك انعكاس لشخصيتك وتعبر عنك لا علاقة لها بي".