أعلنت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد قائمة بأنواع الفساد الإداري للعاملين في الوزارات والجهات الحكومية اشتملت على عدد من الممارسات مثل استخدام سيارات العمل لأغراض شخصية، وتأسيس المكاتب الفاخرة، واقامة الحفلات الدعائية، ونشر التهاني والتعازي لتلميع المسؤولين، كما اشتملت القائمة على سلوك (الثرثرة) أثناء العمل. إن هذا لا يعني أن الهيئة لن تتابع القضايا الكبرى مثل الرشوة والتزوير والاختلاسات المالية لكنها هنا توجه مراقبتها نحو موضوعات أخرى مثل إدارة الوقت حين أدرجت الثرثرة ضمن قائمة الفساد. ومع اتفاقنا على أهمية إدارة الوقت واستثماره لمصلحة العمل إلا أن موضوع الثرثرة يحتاج الى مناقشة. نريد أن نقول إن بيئة العمل الإيجابية تشجع على الحوار بين الزملاء، وعلى تنظيم اللقاءات الاجتماعية التي تنمي العلاقات الإنسانية وهي من أهم الجوانب المؤثرة في الرضا الوظيفي والانتاجية. وهنا يطل السؤال: كيف سنميز بين الثرثرة المطلوبة المفيدة وبين الثرثرة التي تضيع وقت العمل؟ ولماذا لا يقيم الموظف بإنتاجيته المرتبطة بمهامه ومسؤولياته فإذا كان يحقق ما هو مطلوب منه فلا يهمني إن كان يمارس الثرثرة أو غير مثرثر، بل إن بعض الموظفين لا يستطيع أن ينتج ويبدع في عمله دون ثرثرة. وماذا سنقول -على سبيل المثال - عن العاملين في الأقسام الإعلامية الذين لا يكتمل عملهم بدون الثرثرة؟ إنني أتفق مع الهيئة في أهمية احترام وقت العمل ولكني أعتقد أن الوسيلة الفعالة لاستثمار الوقت وتقييم أداء الموظف هي معيار الإنتاجية وهذا يتطلب وجود خطة عمل تفصيلية عن المهام والمشاريع ومتطلبات وزمن تنفيذها والمسؤول عن التنفيذ. وفي هذه الحالة لن يراقب المدير ثرثرة الموظف بل سينتظر نتائج خطة عملة وبناء على النتائج يكون التقييم. ومن تجارب الآخرين نشير إلى تجربة (جوجل) التي أوجدت بيئة عمل تعد مثالية في التحفيز جعلتها تتصدر أفضل مئة شركة. في هذه الشركة يوجد (11) مقهى ومطعم للموظفين كما يوجد حمامات سباحة وصالات رياضية وصالات ألعاب الكترونية، أما ساعات العمل فلا يوجد ساعات عمل محددة والإنتاجية تقاس بالنتائج وليس بالحضور والانصراف. وتقدم الشركة خدمات مجانية للموظفين مثل الغسيل والكي والحلاقة ومركز التجميل والتدليك والعلاج الطبيعي. ومن الطريف أن إدارة الشركة تواجه صعوبات في إقناع الموظفين لمغادرة مكاتبهم في المساء والذهاب إلى بيوتهم، فهم يستمتعون بالعمل. تلك هي ثقافة الشركة حيث يتم تحفيز الطاقة الإنسانية للموظف كي يتطلع دائماً إلى الإبداع والابتكار. وبطبيعة الحال إذا كانت هذه هي بيئة العمل، وكان عندي هذا النوع من الموظفين فسوف أشجعهم على الثرثرة!