مما لا شك فيه أن الاعتداء الإجرامي الإرهابي الهمجي المتخلف، الذي تعرض له عدد من أهالي الدالوة في منطقة الإحساء، يدل - من دون أدنى لبس أو احتمال - أن الهدف من هذا الاعتداء كان إشعال نار الطائفية، وبث روح الفرقة، وإيقاد نار الاقتتال، ونشر الفوضى والحقد وعدم الاستقرار، وهذا أكبر دليل على وجود مؤامرة كبرى تستهدف أمن هذا الوطن واستقراره، ونشر الفوضى بين مكونات شعبه، ولكن الشيطان يريد والله يفعل ما يريد، حيث ألهم الله سبحانه حكومة المملكة وشعبها الحكمة في التعامل مع الحدث، من حيث السرعة والفعالية من جهة، والرفض والتكاتف من جهة أخرى. نعم المنفذون لا يعدون أن يكونوا أداة تنفذ ما تؤمر به، فهم فئة ضالة فقدت بوصلة الحياة، وأعمى قلوبها التخلف والجهل والرؤية الضيقة، وأصبحت أداة قتل وتدمير في يد غيرها، تنفذ الأوامر من دون تفكير أو تمعن لما يترتب على فعلها من انعكاسات سلبية على الدين والوطن والمواطن، ولذلك لا بد من أن نوسع دائرة التفكير عند التعامل مع هؤلاء. ذلك أن التفكير حتى الآن منحصر في مفهوم أن المجندين للقيام بالعمليات الإرهابية إنما فعلوا ذلك نتيجة اقتناعهم بفتاوى المتطرفين وشيوخ الفتنة. وقد يكون صحيحاً مع بعضهم وليس كلهم، ولعل أولائك الذين خضعوا للمناصحة وعادوا إلى ما كانوا عليه لأحد سببين، إما أن يكونوا موهوا بأنهم قبلوا النصح وهم لم يقبلوه، وإما أنه تمت إعادة إقناعهم أو إرغامهم بالعودة إلى التطرف والإرهاب أو لأسباب أخرى يجب استطراقها. إذاً لا بد أن نبدأ مرحلة التفكير خارج الصندوق لفك تفرعات شفرة الإرهاب ومفرداته، وذلك من خلال اتباع عدة سيناريوهات يتمثل بعض منها فيما يلي: إن من ينفذ عمليات الإرهاب في الغالب لا يعدو أن يكون أداة تحركها أياد خفية، ومن ثم لا بد من إيجاد وسيلة أو أكثر للإطاحة بالمتآمر الأول الذي يعمل من خلف الكواليس، سواء كانوا أفراداً أو جماعات أو دولاً، وهذا يشمل كل الأطراف سواء كان مخططاً أو ممولاً أو محرضاً أو مفتياً أو مستفيداً. ألا نستبعد أي وسيلة يمكن أن يتم استخدامها من أجل تجنيد هؤلاء الشباب، بما في ذلك البرمجة العصبية اللغوية، وغسيل الأدمغة، وإعادة برمجتها، واستخدام العقاقير النفسية، والإجهزة العلمية، والسيطرة، والتحكم، والإرغام، ومن المعروف أن وكالات الاستخبارات في الدول المتقدمة قطعت شوطاً طويلاً في مثل هذه المجالات، تحت طائلة مشاريع وبرامج في غاية السرية. إن العقل هو أخطر جزء في جسم الإنسان، فهو مركز التفكير ومركز التحكم بالجسد، وبالتالي فإن حركاتنا وأقوالنا وأفعالنا لا تعدو أن تكون ترجمة لأوامره. وهذا يعني أن من يريد التحكم في شخص ما فعليه التحكم بعقله، وهذا يتطلب جهوداً يقوم بها متخصصون في النواحي النفسية والطبية والصيدلانية والاستخباراتية، وباستخدام عقاقير وأجهزة متقدمة، تساعد على مسح الذاكرة ثم إعادة برمجتها. ومن أبسط أمثلة استخدام تلك التقنيات في التحكم في عقول الآخرين ما يتم استخدامه عند تحويل شخص إلى جاسوس أو مخرب أو انتحاري. نعم إنها عملية طويلة، وعلم متقدم، له أساليبه ووسائله وعقاقيره. وقد حاز على اهتمام الدول الكبرى منذ عقود من الزمن، وصممت لأجله مشروعات غاية في السرية، وتنفق عليها أموال طائلة وأنفقت. وعلى الرغم من أن هذه البرامج تحاط بالتكتم والسرية الفائقة إلا أن بعض التحقيقات نجحت في إماطة اللثام عن بعض تفاصيلها، وتسببت بفضائح مدوية، حيث تم إخضاع مئات الأشخاص لبرامج غسيل الأدمغة وغيرها من التقنيات من دون علمهم. إن بعض تلك المشاريع يهدف بصورة رئيسة إلى التعامل مع العقل البشري والبحث عن أفضل الأساليب لتطويعه والسيطرة عليه والتحكم به، وقد تم اختراع عقاقير ذات أغراض متعددة وذات صلة بالموضوع منها: عقاقير يمكن أن تولد أعراضاً كاذبة مشابهة لأعراض بعض الأمراض المعروفة، وعقاقير تجعل عملية التنويم المغناطيسي أسهل وتعزز من فعاليتها، وعقاقير تعزز التأثير المسكر الناتج عن تناول الكحول وتقويه، وعقاقير تعزز القدرة على تحمل التعذيب والاحتجاز والضغط النفسي، وعقاقير تستطيع أن تبطل التأثير المسكر الناتج عن تناول الكحول أو توقفه، وعقاقير تسبب فقدان الذاكرة بعد القيام بمهمات معينة، وعقاقير يؤدي تناول كمية صغيرة منها إلى عدم قدرة المتلقي على القيام بأي مجهود بدني، وعقاقير تغير تركيبة الشخصية (العواطف والإحساس والشعور) بشكل كلي، وعقاقير تعزز من الشعور بالتعب والهلوسة البصرية والسمعية لدى المتلقي، وعقاقير تسبب تشوشاً ذهنياً للمتلقي فيعجز عن الاستمرار في التصنع والخداع أثناء التحقيق معه، وكبسولة يمكن أن يتناولها المتلقي عن طريق الماء أو الطعام أو السيجار تؤدي إلى فقدان مؤقت للذاكرة، وطرائق وأساليب بدنية تولد الشعور بالصدمة والاختلال الذهني لفترة معينة من الزمن. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى وضعت السينما ممثلة بأفلام هوليوود تصورات لما يمكن أن يتم في مثل هذه الحالات، حيث تدور أحداث بعض تلك الأفلام حول أشخاص تم مسح ذاكراتهم، أو تعرضوا لغسيل الدماغ، ومن ثم تم إرسالهم لتنفيذ مهمات معينة أو تم تنويمهم مغناطيسياً، وتم إرسالهم للقيام بعمليات انتحارية أو حقنوا بعقاقير تجعلهم ينفذون ما يطلب منهم، من دون دراية منهم. وعلى الرغم من أن بعضها قصص أفلام خيالية إلا أن بعضها لا يلبث أن يصبح حقيقة مثل الأفلام ذات الصفة التوقعية لأحداث مستقبلية، ولعل من الأمثلة على ذلك فيلم الرجل القادم (The Next Man) والفيلم الذي تحدث عن أحداث (11 سبتمبر 2001) قبل أن تقع بسنوات، أو روايات مثل رواية كارثة 79 (Crash 79). أما الأمثلة على من يتوقع أنه تم غسيل أدمغتهم أو أعطوا عقاقير معينة، أو نوموا مغناطبسياً، فيمكن ذكر قصة عارضة الأزياء والمذيعة المعروفة (كاندي جونز) التي كانت تعمل أيضاً عميلة لجهاز المخابرات المركزية (CIA)، حيث كانت تتمتع بشخصيتين إحداهما جميلة، والأخرى مخيفة وغامضة. والمثال الثاني الذي تدور حوله مثل تلك الأقوال سرحان بشارة سرحان الذي أتهم بإغتيال السناتور كندي، والثالث الشباب الذين شاركوا في أحداث 11 سبتمبر 2001 حيث ذكرت كثير من التقارير أن بعضاً منهم مثل أيمن عطا لم يكن متديناً وليس له انتماءات، والرابع أن كثيراً من الشباب الذين يلتحقون بالقاعدة أو داعش أو غيرها يتم تحويلهم بصورة مفاجئة ومن دون مقدمات تاريخية توحي بأن لهم هذا التوجه أو ذاك. وعليه لا بد أن نبدأ التفكير خارج القناعات السائدة مع الاستمرار في متابعة كل القنوات والسبل التي يمكن أن تؤدي إلى الوصول إلى أوكار الجريمة وقادتها، جنباً إلى جنب مع التعامل مع فلولها وإيقاع أشد العقوبات بهم، على أن يتم تنفيذ الحكم في موقع الجريمة نفسها، حتى يصبح كل منهم عبرة لمن يعتبر. وأنا هنا لا أقلل من التحريض، والفتوى الملقحة، وعملية ربط الأحداث الحالية وإسقاطها بصورة قطعية على بعض الأحاديث النبوية التي أخبر عنها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والتي لم يربطها بزمن محدد. والعمل على تأويلها من قبل شيوخ الفتنة، ولعل حادثة جهيمان وتصويره على أنه المهدي المنتظر، وتصوير صدام حسين على أساس أنه الفتى السفياني، والحديث في هذه الأيام عما يشاع عن فتى مصر، وأخيراً ما يتم تناقله ونشره عن الخليفة المزعوم أبوبكر البغدادي وما يروج له عن دولة الخلافة وقدرتها على الصمود والتحدي، واستغلال جهل الشباب، والعمل على جعلهم يتشبعون، ويقتنعون بمثل تلك التأويلات ما يحول كل منهم إلى قنبلة موجهة. إن التحريض والإعلام والمرتزقة والجهل وأجهزة المخابرات المعادية، والأساليب العلمية الحديثة لبرمجة الدماغ أو غسيله، أو التنويم المغناطيسي، أو استخدام بعض العقاقير بما فيها المخدرات للتحكم بالعقل البشري، كلها عوامل يجب أن تكون حاضرة عند مطاردة ذلك الغول الذي يتم نشره على مستوى المنطقة، مصحوباً بخلط الأوراق وتداخل المصالح والأطماع وإحياء رماد أحقاد الماضي، والضرب على أوتار الفرقة، من خلال افتعال أحداث تكون شرارة لبدء الاقتتال، كما حدث في العراق وسورية، وكما جرت محاولة ذلك من خلال أحداث الدالوة، في منطقة الأحساء التي تصدى لها كل من رجال الأمن بكل حزم واقتدار وبيان هيئة كبار العلماء والمفتي ومرجعيات الطائفة الشيعية وعموم الشعب السعودي الذي اثبت بكل عناصره وتوجهاته أنه ضد مثل تلك الأفعال جملة وتفصيلاً، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على وعي هذه الأمة وإدراكها بكل مكوناتها، إنها تتمسك بوحدة الكلمة، ووحدة الوطن، والولاء للقيادة، وهذه العناصر الثلاثة هي بيت القصيد في تلافي الفوضى واستمرار الوئام والاستقرار والأمن والأمان. نعم لقد أصبحت الدالوة رمزاً للوحدة الوطنية، وهكذا هي حال كل مدينة وقرية على امتداد أرض هذا الوطن برغم أنف كل حاقد وحاسد ولئيم... والله المستعان.