«ثمة من يعتقدني شاعرة لأنني أهتم في شكل الكلمات ومعانيها، ومع أنني أتذوق الشعر وأقرأ بنهم، إلا أن الرسم هو ما علّمني فن ّالتنميق والتنسيق بدءا من الملابس وانتهاء بانتقاء المفردات» (مايا الحاج) *** في الفن يكون الفنان أسير دوامة البحث والترقب مع مزج كثير من التخيل في عجينة يمعن في معالجتها حتى تكون لدنة طواّعة يشكل منها ما يعنّ له وما يرى أنه يعبر عن مكنونه، وكذك يعمل مع الألوان والتي بحدسه يولد اللون من اللون عن طريق الخلط والتركيب بالمزج، ومن ثم يشرع في الرسم مستخدما ألوانه التي تقوده هي إلى المكان المناسب لها كما الشاعر الذي تباغته القصيدة وتملي عليه محتواها وهو يستجيب ويرسم بالحروف والكلمات ما يعتمل في جوَّانيته من تفاعلات حياتية ليقدمها عملا متكاملا للمتلقي صاحب الحكم المترقّب والمتربّص، ومن هنا تتكون تباين الآراء في الحكم تجاه عمل واحد، إذ لا يمكن أن يكون هناك أي إجماع، ومن هنا نتج الجيد حيث أن كل مبدع يريد أن يقدم الجيد مستفيدا من تجربة السابق، وبحكم المتابعة والإطلاع والتنقل في الأرجاء ومشاهدة الأعمال المختلفة مع المقارنة بينه ومحاولة خلق جديد ذي خصوصية تنبئ عنه هو لا عن سواه ليكون له المكان والمكانة الخاصة التي دائما تشير إليه، ولكل مبدع اسلوبه الدال عليه، وتكون طريقة التقويم سائرة بين المتابعين باختلاف درجاتهم. في روايتها الصادرة حديثا بعنوان (بوركيني: اعترافات محجبة) وهي تجربتها الأولى ككاتبة رواية تحكي قصة فنانة تشكيلية داخل عائلة منفتحة على العالم الباريسي حيث تدور الأحداث في فرنسا، تعنّ لها وهي في حالة صفاء أن تختلف عن السائد في الأسرة حيث تعمد إلى لبس الحجاب مغطية شعرها مع لباس الطويل مما أدى إلا تساؤلات واستفسارات، سواء من الأقارب أو الأباعد، وهي تجيب بأنها قناعة ذاتية خاصة لا يدخلها أي مؤثر ديني أو تقليد لفئة معينة إنما قناعة وإعجاب مع الاستملاح لهذه الطريقة، فهي شكل أحبته، وخطيبها يسأل ملحا عن السبب بالرغم أن لوحاتها التي ترسمها في محترفها أقرب إلى العري وبعضا يسبح في الدائرة الواسعة من العري، في حوارها مع الذات تفصح "أحدق في لوحاتي التي تملأ المكان. أتذكر أنني أنا من رسمها ابتسم، إلا أن وجهي المخدر يظل عاجزا عن التعبير، يداي أيضا مخدرتان. هل يمكن أن أرسم بهما ثانية؟ لايهم إن عين الرسام هي يده! هكذا يقول (مانيه) وهذا هو المهم أنا أعشق مدرسته الانطباعية، ومثله، ولا شيء يهمني أكثر من العينين. وها أنا الآن لحسن الحظ، أفقد إحساسي بكلّ حواسي ما عدى بصري"، وعندما يهاتفها خطيبها.. اتصال واحد قبل النوم فقط تلح عليه أن ينجز أعماله قبل الإجازة السنوية، وهي تحضر لمعرضها الأول. يتفقان على اللقاء والمكان يختاره إنه (المقهى البحري). في خلوتها في المحترف وفي بعض المناقشات مع الأصدقاء والمعارف، يكون النقاش حول "الحجاب"، وعند الاستعداد للقاء الخطيب: "أرتدي سترة طويلة بأكمام لتغطي ردفي وما بقي من مكشوفات من جسدي، ومن ثم اختار المنديل الكحلي الموشى بوردة زهرية حتى أضعه على رأسي. أحمل المنديل بيدي وأتلمس شعري باليد الأخرى. أنظر إلى وجهي في المرآة، فأراه وجها من وجوه موديلياني الرقيقة"، فتتمدد وتنكمش الأفكار وتبدأ الاختراقات النفسية تغور في الذات وتحاول الاستعجال في الخروج اشتياقا للقاء الخطيب الحبيب تضع الإيشارب" أهرب من النظر إلى المرآة، لكنني لا أقوى.. أتأكد من أن وجهي مازال جميلا حتى بعد أن يبدل المنديل ملامحه.. فأنظر إليه مجددا. هو وجه آخر يسكن المرآة، وأنا لا أتوهم إنها الحقيقة إنني أعرف الناس بالوجوه"، وتتذكر أنها عندما وضعت الحجاب أول مرة لم أكن(= تقول) أعرف السبب الذي دفعني نحو هذا العمل، هل هو الإيمان؟ شخصي المغامرة؟ حب التخفي والتلطّي وراء أجساد أخرى؟ لا أعرف، ولم أكن أعرف شيئا عن فكرة الحجاب أصلا، ومع أن التجربة كانت غريبة. لكنني أظهرة حماسة لاختبارها، ولم أكن أفهم معنى أن تغطي الأنثى شعرها، لكنني لم أكن يوما من هؤلاء الأشخاص الذين يستخفون بما لا يستطيعون فهمه" وهي في رأيها مغامرة – في مجتمعها – بكل ماتحمل من مصائب غير أنها كانت واثقة أنها لن تخرج منها مهزومة، ذهبت مسرعة تريد أن تسبق الحبيب إلى المقهى مكان اللقاء. فجلست.. مقعدها أمامه تناوشا بعض أطراف الحديث غير انها لا حظت مايشبه انعدام التركيز! (لها بقية)