مع ما يحدث في مصر من استفزاز للمصريين وإخوتهم العرب، ومع الصراع الذي لا هوية له في ليبيا، ومع الدمار البشع في اليمن، واختزال مستقبل لبنان السياسي والأمني في فوهة بندقية، ومع تحول البلد الفاتن اللذيذ سورية إلى مأساة وكارثة وجودية.. ثم في خضم ما يدور ويجري داخل (عين العرب) وما حولها.. أقول: في غمرة ذك كله، الجهة الوحيدة في العالم كله التي ترقص وتغني، وتحتفل وتبتهج، وتتابع باغتباط لا مزيد عليه هي العصابات الصهيونية العنصرية المحتلة في الأراضي العربية المغلوبة على أمرها (فلسطين) الغالية.. والدليل الناصع المبهر المفحم المقنع على هذا الفرح الصهيوني، وعلى هذا التوفر على الآمال والمطامع هو هذا الهجوم والاعتداء الحقير القذر على أولى القبلتين ثالث الحرمين مسرى النبي صلى الله عليه وسلم، والمتتبع لتاريخ تلويث اليهود الصهاينة ساحات المسجد القدسي وباحاته، والمساس بحدوده وخرائطه، والعبث بتاريخه ومحاولة تزويره سيلاحظ أنها تتم في ظل أحداث ووقائع تلم بالوطن العربي، وبخاصة ما يكون منها قريباً من فلسطين! ولولا أصوات الاستنجاد والاستغاثة التي تنطلق من حناجر إخوتنا في الأراضي العربية المحتلة، ولولا استماتة أشقائنا المقيمين في الدفاع عن مقدساتنا هناك لحصلت الكارثة التي يتوق إليها الصهاينة وينتظرونها بكل ما في سواد العالم من حقد وعنصرية وشهوةِ مصادرةٍ وإيذاء. هؤلاء الصهاينة الأعداء المحتلون لم يكتفوا بالاحتلال واغتصاب الأوطان من أصحابها، ولا بتشريد شعب كان آمناً مطمئناً على أرضه، وإنما هم يقومون بمهمة مزدوجة تتمثل في: اعتقال المواطنين العرب وتعذيبهم وقتلهم، والإساءة إلى الرمز الديني العظيم (المسجد الأقصى) وما حوله. تصوروا معي أيها السادة.. لبنان يتمزق بشكل شرس، وسورية تحولت إلى فقرةٍ من رماد في سيرة الاحتراق، وليبيا يفني بعضها بعضا، والعراق على مرمى مصير محتّم من التقسيم، واليمن تئن تحت أحذية الرعاع ويضيع مصيرها في غياهب التفسيرات والتعليلات والإفصاح عن أنماط التخلي والخيانات.. في هذا الجو الخانق المذيب الذي أصاب العرب كلهم في مفاصل وجودهم يَنْصُبُ الأعداء الصهاينة خيامَ عيدٍ لم يمر بهم من قبل ميّزته الكبرى أنهم يشعرون بأمان عجيب يدفع بهم إلى أن يعتدوا على الإنسان وعلى التاريخ والمكان وعلى الرموز الدينية التي كانت قبل وجودهم فوق هذه المعمورة، ولقد استطاع العدو الصهيوني في هذا الصدد أن يصدر إلى وسائل الإعلام -- كما هي عادته -- مصطلحاً جديداً تلقفته أوعية التواصل بالجدارة كلها وصدّرته إلى المتلقين كافتهم وفي مقدمتهم الفلسطينيون والعرب بعامة.. إنه مصطلح (التقسيم الزماني والمكاني).. لقد قُذِفَ به في روع المستمع والمشاهد والقارئ، وكما تسري النار في الهشيم تم تداوله.. كل ذلك من أجل شيء واحد هو: أن يكون لليهود الصهاينة المحتلين نصيب في كل شيء حتى في تاريخنا ورموزنا الدينية!! ثم تصوروا يا أيها السادرون في النسق السياسي الاستعماري أن كل هذه الأحداث وكل هذه الكوارث وكل هذه الأزمات وما لفّ لفّها، وماترتب عليها من مقاصد وأهداف ومصطلحات أنها تنشأ وتتكون وتشتعل وتجوب الكون ونحن العرب - مع بالغ الأسى والرثاء والأسف - لم نستطع أن نمرر كلمة صادقة واحدة.