لم يقتصر الاحتجاج على وصف محمود عباس المرشح للرئاسة إسرائيل ب "العدو الصهيوني" رداً على رسائلها الاستفزازية المدمرة باستمرار للفلسطينيين.. في نطاق التصريحات الأمريكية المنسجمة دائماً مع المتطلبات الإسرائيلية.. بل وجدنا كالعادة من العرب الأقحاح! من ينتقد تصريحات محمود عباس حول "العدو" الذي لم يتحول إلى صديق للعرب ولن يتحول، ما دام كيانه السياسي قائماً على فلسفة عنصرية تكره الأغيار.. بالمناسبة فوصف إسرائيل بالعنصرية ليس من عندي بطبيعة الحال.. فهو مصطلح نقدي شائع حتى في أوساط إسرائيلية.. وهناك كتاب بعنوان "عنصرية إسرائيل" ألفه منذ سنوات الدكتور اسرائيل شاحاك رئيس منظمة حقوق الإنسان فيها.. حيث فضح بالوثائق والأرقام السلوك الثقافي والسياسي في إسرائيل الدولة والمجتمع، وقد اتسم بعنصرية لا ضد الفلسطينيين سكان الأرض الأصليين فحسب.. وإنما شملت يهوداً شرقيين، مورست ضدهم عنصرية يهود أشكناز غربيين!! هذا وقد صدر قبل سنوات قرار الأممالمتحدة باعتبار الصهيونية حركة عنصرية معادية للإنسانية، حتى جاء الرئيس الأمريكي جورج بوش الاب فعمل على إبطاله! إلا أن هذا لم يؤثر على حقيقة إسرائيل العنصرية في أوساط المجتمعات المدنية.. والأروقة السياسية وفي العالم حتى يومنا هذا. العجيب أنه في الوقت الذي تعمل أمريكا وبعض مشايعيها من العرب، على صناعة صورة غير عدوة! في العالم العربي.. كشفت مجلة "كلينيك ميديترينيان" العدد 70، ابريل 2004، نص رسالة عالم النفس اليهودي الشهير سيغموند فرويد، كان قد بعثها في 26شباط 1930م إلى حاييم كوفلر عضو "مؤسسة إعادة توطين اليهود في فلسطين"، متحفظاً على طلبه بدعم "القضية الصهيونية في فلسطين وحق اليهود في الوصول إلى حائط المبكى".. يقول فرويد في رسالته الوثيقة المنشورة باللغة العربية في جريدة النهار اللبنانية بتاريخ 16كانون الأول 2004م ما نصه: "أظن أنه لا يمكن لفلسطين أبداً أن تصبح دولة يهودية، كما لا يمكن للعالمين المسيحي والإسلامي على حد سواء، أن يُظهرا يوماً ما استعداداً لوضع أماكنهما المقدسة في عهدة يهود. كان من الأكثر رزانة برأيي تأسيس وطن يهودي على أرض غير مشحونة تاريخياً"،.. بطبيعة الحال فإن فرويد هنا يصدر حكمه من عقل ليبرالي لم تثبت مؤلفاته في التحليل النفسي، في قضايا الإنسان والفن والتاريخ والدين، انه ملتزم بتعاليم ديانته اليهودية. لهذا فإن مسألة اعتراضه على المشروع الصهيوني، الذي حاول إعادة انتاج اليهودية بأسلوب عصري!! تقوم على نقض مفهوم الدولة الدينية، شاجباً في هذه الرسالة التاريخية تعصب مواطنيه اليهود غير الواقعي، محملا إياه إيقاظ الريبة من المشروع الصهيوني لدى العرب، في بداية نشاط هجرات اليهود المتجددة في العصر الحديث إلى أرض فلسطين ومتوقعا منذ ذلك الوقت أن عنصرية اليهود سوف تؤدي إلى إشادة "جدار" نفسي بينهم وبين العرب!! لقد التزم فرويد برأيه القاطع ضد عنصرية بني جلدته المعادية للأغيار حتى وهو يفر 1938م من فيينا إلى لندن بعد الهجوم النازي، قبل وفاته غريبا بمرض سرطان الفم سنة 1939.هذه الرسالة تعرضت للإخفاء المتعمد طوال فترة تأسيس الكيان.. ولو نشرت في حينها لأحدثت دوياً هائلاً في الأوساط العالمية ضد المشروع الصهيوني!1، بعدما ذاع صيت فرويد عالماً نفسياً شهيراً في بداية القرن العشرين. السؤال هنا، لماذا يتحول من يتحمس إلى عقد سلام كيفما اتفق بين إسرائيل والعرب إلى إزاحة آراء بعض اليهود العارفين بحقائق أنفسهم ومشروعاتهم الصهيونية.. واحتلال مواقعهم بميكانيكية باردة، ليبدو بجهالة معتمة بالواقع وتضليل مقرف للحقائق.. أنه عكس ما تحرر منه ضمير فرويد العلمي والانساني رغم يهوديته!