لابد وأن في السخرية قَدْرا من بكاءٍ مكتوم.. وأن الفكاهة أرقى درجات الحزن. يبدو ذلك حقيقيا وصادقا حين تستمع لأعمال زياد الرحباني.. هو مشاكس للواقع بجرعات هائلة من السخرية.. يقف على أطرافه المهشمة ويتلمس نتوءاته بالكثير من الحساسية. ولد زياد في 1 يناير 1956..هو ابن المغنية "نهاد حداد" والمعروفة بفيروز. وابن لعاصي الرحباني. أبدع زياد إنتاجه الموسيقي والمسرحي بلمساته الخاصة والمتميزة عن إرث عائلة الرحباني الذي ينزع إلى الطوباوية وتصويره لعالم حالم يقترن برؤيا الفردوس البعيد إلى الدخول في شغب الواقع وإيقاعه اليومي وتعقيداته وتعريته فهو ابن زمنه. وبالمجمل أخذ اتجاه زياد الفني شكل انقلاب على الرومانسية باتجاه التماس المباشر مع الراهن المعيش. لزياد أعمال موسيقية ومسرحية غزيرة أبرزها ماتخلّق في حنجرة فيروز الأم: أنا عندي حنين، حبيتك تانسيت اليوم، البوسطة، عندي ثقة فيك، مش قصة هاي، بعتلك، ضاق خلقي، سلملي عليه، عودك رنان، سألوني الناس، قديش كان فيه ناس، نطرونا، حبو بعضن، كيفك أنت، وغيرها الكثير. في أعماله الغنائية كان يصرخ: "أنا مش كافر، أبو علي، هدوء نسبي، بما إنو، مونودوز، بالأفراح". ومن مسرحياته: "المحطة، سهرية، نزل السرور، بالنسبة لبكرا شو؟، فيلم أميركي طويل، شي فاشل، بخصوص الكرامة والشعب العنيد، لولا فسحة الأمل". ويُروى أنه أصدر ديوانا شعريا بعنوان "صديقي الله" وهو لم يبلغ الثالثة عشرة بعد، جاء فيه: "حائرٌ أنا بين أن يبدأ الفرح وألاّ يبدأ مخافةَ ينتهي". *** "لا يعود شيءٌ يخيف إنْ صرناه" *** "صرت أخاف أنْ أُطيل النوم كي لا يذهب الجميع وأبقى وحدي" *** "كانت أحاديث السهرة تدور فقلت: حدثونا عن غير الموت قالوا: نحكي عن الحرب قلت: عن غير الحرب قالوا: نحكي عن دموع المتشردين قلت: عن غير دموعهم قالوا: عن المنتظرين قلت: عن غير المنتظرين قالوا: لا نعرف غير هذا فعمَّ نحكي؟! قلت: اسهروا كما تسهر الحيطان لا تتكلموا عن شيء وانظروا بعضكم إلى بعض علَّ وجوهكم تتحادث...". زياد ليس كأمه فيروز التي تزور الناس في صباحاتهم الباكرة زياد يجيء مساءً ينتزع من قلوب الليل كل أوجاع الطرقات وعفن الأزقة وأصوات الجياع والمشردين إنه ولذلك لاينفك عن الليل ويخاف أن يطيل النوم كي لا يذهب الجميع ويبقى وحيدا.