الأغاني ليس فقط تلك التي تصدح بالحب ليل نهار وتحكي معاناة وتأوهات أهل العشق والعشاق وليست أيضاً ما يذاع في مناسبات أعياد الوطن أو الأم أو حتى ليلة عيد الفطر. هنالك مدى أوسع لم يستثمره المطربون العرب بعدُ كما ينبغي؛ إنه غناء ما يلامس قضايا حياة إنسان اليوم خارج احتكار موضوع الحب للأغنية. وهو بالضبط، ما برعت فيه التجربة الغربية في الغناء المبتكر للموضوع بلا قيد أو شرط. في حين لا تزال الأغنيات العربية تدور في ذات الفلك، رغم القهر والدمار الذي يدك مدن المشرق والمغرب العربي ما بعد "ربيع الثورات"، حتى غدت الأغنية العربية، صماء، تصرخ في مدارات معزولة عن الواقع، باستثناء تجارب قليلة لمطربين عرب كالفنان سيف شاهين في أغنية "ما درينا" عن المصائب التي حلت بالعراق، وخليجياً كالفنان راشد الماجد في أغنية "هذه البحرين ما نرضى زعلها" عام 2011 والتي جسدت بلا شك موقفاً أخلاقياً هاماً من راشد وهو يدعو أهل البحرين للتوحد ونبذ الانقسام والطائفية تحت أي ظرف سياسي كان. كاظم الساهر قدم أغنية عالمية بلغتين مع المغنية الإنجليزية سارة برايتمان هي The War Is Over وتسأل فيها الأغنية عن اليوم الذي يعود فيه السلام للإنسان. ولكاظم عدد من الأغنيات التي خرجت من موضوع الحب، لكن الوثبة الأوسع لم يجرُؤ عليها أي مطرب جماهيري عربي؛ هذه الوثبة هي التي أقدم عليها مطربو الراب العربي وبعض الأصوات والفرق السورية واللبنانية وكلهم عملياً خارج سوق الأغنية الجماهيرية العربية، التي يقودها نجوم الطرب العربي، لسبب ليس بالسر وهو أن الأغنية العاطفية البضاعة الأكثر رواجاً وشهرة وتأثيراً واستغلالا للبيع والتسويق الربحي في القنوات أو عبر اسطوانات. نتذكر جيداً الدراسات التي تشير إلى أن أغلب من يشتري الألبومات الغنائية هم في فئة عمرية بين 14-25 وهو سن يتحرك من المراهقة، لذا سيكون موضوع الحب الأكثر ترويجاً واستثماراً تجارياً والأشد استباحة داخل المجال الغنائي. لكن ماذا عن موقف الأغاني العربية إزاء ما يحدث في الواقع؟. لماذا لا نرى موقفاً متواصلاً للمطربين العرب مما يجري في الشارع العربي اليوم؟. الموت صار خبراً يومياً في بلدان نهشتها ومزقتها الثورات والمطرب العربي مشغول حتى الساعة بحبيبته المُتخيلة، ليس لشيء فقط من أجل تحضير الألبوم الغنائي القادم. المطرب العربي مسجون داخل الحب، استنفد كل حالات وانفعالات التجارب الغرامية، لكنه لايزال يصر على تقديم الأغنيات العاطفية. ماذا عن موضوعات كالحروب والثورات وتقسيم الأوطان والقتل على الهوية والطائفية والاستغلال البشع للدين؟ ماذا عن هيمنة الإعلام على الوعي وتدجينه؟ لماذا لا نصغي أغنيات عربية تحاكي قضايا خارج موضوع الحب كما هو قائم في التجربة البارعة في الغناء الغربي؟. متى ستخرج الأغنية العربية من فنتازيا اللازمان واللامكان لتشعر المستمع العربي أنها حاضرة في حياته كمادة سمعية وفنية تحرض أيضاً على التأمل والتفكير بدل "التخدير العاطفي" في مجتمعات هي في الأساس عاطفية بما يكفي بل وفائض العاطفة وغياب العقلانية فيها كان ولايزال الداء الأكبر الذي يُستغل مع كل موجة تحريضٍ وفتنة تدك هذا البلد العربي أو ذاك. متى نرى أغنية مناهضة للحرب والتطرف والإرهاب؟ متى سنصغي أغنية ضد التطرف الديني من محمد عبده كما فعلت مدونا في أغنيتها (Like a prayer). متى ستولد لدينا فرقة كفرقة Rage Against Machine التي عرفت بأغنياتها المناهضة لاحتكارات الشركات الرأسمالية الكبرى في أمريكا. ماذا عن العنصرية المتفشية، هل سنسمع قريباً أغنية لحسين الجسمي كتلك التي قدمها بوب ديلان في أغنية (HURRICANES)، المعارضة للعنصرية ضد السود. نجم الراب العالمي امينم، له العديد من الأغنيات الناقدة للسياسات الأمريكية وخاصة جورج بوش، وهو بلا شك كان أحد أهم المؤثرين في ظهور وتطور فن الراب العربي الذي تطرق لموضوعات عن الثورات ومشكلات اجتماعية تمس الشباب العربي، إلا أنه بقي كفن، خارج المجال الجماهيري العربي ربما لتقيده بنسقٍ إيقاعي وموسيقى يسير خارج الذائقة الجماعية العربية، رغم انتماء الراب بإخلاص إلى الفن الإنساني اليوم. لماذا لا نصغي لأغنيات تؤكد أن الفن محارب للتطرف، أغنية ترفض التشدد وقطاع الرؤوس والطرق؟. أظن أننا نتفق أن الفن ليس للترفيه فقط، ولا رسالة هادفة.. الخ، كما حفظنا مبكراً عن ظهر قلب، بل إن الفن أداة وحرفة ووسيلة تعبير إنسانية وإعلامية أيضاً، لا تنفصل عن زمانها والمكان. لذا ما يجب أن يلتفت إليه المطرب العربي هو إيجاد طريق جديد يسلكه في تقديم موضوعات غنائية تعانق الإنسان العربي اليوم، ليس بالضرورة أن تكون مباشرة، لكن تخترق جدران المألوف متقدم ما هو إبداعيٌ وخلاق. هل سمعتم بإريك كلابتون، إنه مطرب من العالم الغربي رثى ابنه على المسرح في أغنية (Tears in Heaven)، لم يفكر في اختيار الموضوع؛ خارج الحب أو داخله، كلما هنالك أنه فنانٌ يعي جيداً أن الأغنية أوسع من حكاية عشق، إنها بحجم الحياة. ايمنم سيف شاهين محمد عبده كاظم الساهر