نعم، هو عام جديد، ولكنه بكل حزن وألم، غير سعيد، خطواته الأولى، وهي تُمارس القفز والانطلاق والتجديد، تعثرت في بداياتها بصخور الواقع المرير الذي يزدحم بالأحزان والآلام والهزائم والانكسارات والكوارث والفواجع عام جديد، قد بدأ للتو في رحلته الجديدة، يحمل في طياته الكثير من الأحلام والأمنيات والطموحات، في مرحلة صعبة واستثنائية، بل ومفصلية، حيث مازالت تتشكل وتتكون حالة جديدة من الوعي والفكر والمزاج، ليس على الصعيد العربي والإسلامي وحسب، بل وعلى العالم، كل العالم. أربع سنوات مضت، كانت عربية بامتياز، رغم امتداداتها وارتداداتها العابرة للقارات والثقافات والتجاذبات، وما "الربيع العربي" الذي صنعه بعض العرب، هنا وهناك، تحملهم موجة عارمة من الآمال والتطلعات بإحداث واقع عربي جديد تسوده مبادئ العدل والمساواة والحرية، إلا أشبه بولادة قيصرية، بل ومن خاصرة الألم والوجع والقتل والدمار. خديج عربي، غير مكتمل الملامح والصفات والأهداف، وجد نفسه فجأة أمام استحقاقات وتداعيات، أكبر بكثير من كل تلك الأماني والأحلام. والولادات المتعسرة أوالمستعجلة، والتي لم تستوف شروط ومتطلبات الوجود الحقيقي على مسرح الحياة، تواجه الكثير من الامتحانات والتحديات، وهذا ما حدث بالفعل منذ طغيان ذلك التسونامي العربي المثير. لن أقع في فخاخ الاصطفافات أو التجاذبات أو التصادمات، وحقيقة وجدوى هذا الربيع العربي الذي غير وجه المنطقة العربية، بل والعالم بأسره، والذي أصبح بمثابة الترمومتر الحساس الذي يقيس الوضع العربي، قبل وبعد هذا التحول الكبير في مسيرة العالم العربي. واقع عربي مفتوح على كل الاتجاهات والانقسامات والنهايات، تماماً كما لو كان فيلماً مثيراً، فصوله وأحداثه وخطوطه الدرامية معقدة، ونهايته مفتوحة على كل الاحتمالات. لا أعرف حقاً، ما إذا كانت هذه البكائية الطويلة، تصلح كمقدمة جيدة لكتابة عام جديد، بدأ للتو رحلته الجديدة لعالم متناقض ومتأزم ومتصارع. عام جديد، يحمل في سجله الجديد، صفحات ناصعة من النقاء والصفاء والأمل. عام جديد، ينسج حكايات الفرح والبهجة والخيال، ويركض في ساحات بكر من الأماني والأحلام والطموحات. نعم، هو عام جديد، ولكنه بكل حزن وألم، غير سعيد، خطواته الأولى، وهي تُمارس القفز والانطلاق والتجديد، تعثرت في بداياتها بصخور الواقع المرير الذي يزدحم بالأحزان والآلام والهزائم والانكسارات والكوارث والفواجع. العام الماضي فقط، شهد الكثير من حالات الاحتقان والاقتتال والدمار والخراب والتوحش في العديد من الأقطار العربية، ما جعله عاماً كارثياً بامتياز، وقد اكتظ "ألبوم الصور" بمناظر ومشاهد وأحداث لا يمكن تصورها أو تخيلها، فضلاً عن حدوثها وتحققها. يبدو أن الطقوس المعتادة باستقبال العام الجديد، لم تعد مناسبة، وتحولت من احتفالية وفرائحية إلى بكائية وجنائزية! لقد تضاءلت طموحاتنا وأحلامنا وخيالاتنا، سواء الشخصية أو العامة، وأصبحت في مستوياتها الدنيا، بل وقطعا من السراب في كثير من الأحيان. بالنسبة لي، لم تعد قائمة أحلامي كبيرة وكثيرة، كما كانت سابقاً. لم تعد تُعانق سماء الخيال الواسع، بل سقطت على أرض الواقع المرير. أبدأ عامي الجديد، مسكوناً بلوعة الحزن والغياب، ومأخوذاً بصرخة الخوف والضياع. أعرف أنها جرعة زائدة من الحزن والإحباط واليأس، ولكنها الحقيقة المرة. عزيزي القارئ، كنت قد قررت منذ البداية أن أختم مقالي بهذه الجملة الإيجابية: " ولكن في الحياة ما يستحق الحياة"، فهل ترى ذلك حقاً؟