يشعر كثير من السعوديين بكثير من القلق جراء الاتجاه الهابط لأسعار النفط بشكل متسارع، وهناك أصوات تحذر من أزمة اقتصادية كبرى إن استمر الهبوط خلال الأشهر القادمة، وبداية هذا الأسبوع هبطت أسعار الأسهم 7% في جلسة واحدة وهي حالة نادرة الحدوث وترتبط بوجود أحداث استثنائية جسيمة. من وجهة نظري أن هبوط أسعار النفط إلى مابين ال 60 وال 70 دولاراً خلال الثلاث أو أربع سنوات القادمة لن يمثل أزمة حقيقية للمملكة، وذلك لأنه في السنوات الأخيرة تم تخصيص مبالغ ضخمة من إيرادات الدولة السابقة لعدد من المشاريع التنموية الكبرى، ولم يتم بعد صرف الكثير منها ويمكن أن يؤدي انخفاض أسعار النفط إلى إعادة تقييم الكيفية التي يتم فيها الصرف على المشاريع والحد من المبالغات في تقدير ما تحتاجه بعض هذه المشاريع، وفي أسوأ الأحوال يمكن اللجوء إلى سحب نسب هامشية من الاحتياطات الضخمة التي تجاوزت ترليونين ونصف ريال وهذا لن يمثل أي أزمة للاقتصاد الوطني. من جهة أخرى فإنه ليس من صالح الاقتصاد السعودي (على المدى البعيد) استمرار ارتفاع أسعار النفط إلى أرقام تشجع على البحث في البدائل، وقد ذكرت صحيفة التايمز في افتتاحيتها قبل يومين: (هناك نية لدى السعودية لتخفيض أسعار النفط العالمية، ولتحقيق هذا المراد سترفض السعودية مطالب بتخفيض إنتاجها على الرغم من تراجع الطلب.. وسيكون هناك خلاف على متوسط سعر للنفط الخام يتراوح بين 80-85 دولاراً للبرميل، الذي قد يكون مقبولا للدول العربية لكنه سيؤثر كثيرا على إيران وفينزويلا.. واستمرار الإنتاج السعودي على معدلاته الحالية ربما يقلل من حماس شركات غربية للاستثمار في تقنية "التكسير الهيدروليكي" التي تعتمد على تفتيت الصخور باستخدام سوائل لاستخراج احتياطات من النفط والغاز يصعب الوصول إليها، وهذا بالتأكيد هدف للسعودية). وفي كل الأحوال كان -ولا يزال- من المؤمل أن تحدد الدولة هدفا استراتيجيا لكي تسهم موجودات الدولة الضخمة اليوم في حماية الاقتصاد الوطني مستقبلا من تذبذبات سعر النفط، وسبق لي قبل أربع سنوات أن قلت أنه يمكن أن يكون هذا الهدف مثلا أن يتم تمويل 60% من ميزانية المملكة على الأقل من خلال عوائد استثمارات الدولة والتي تشمل موجودات مؤسسة النقد والاستثمارات الحكومية في الشركات وموجودات صناديق الإقراض الحكومية وعلى رأسها صندوق الاستثمارات العامة. ولو تم تبني مثل هذا الهدف الوطني الاستراتيجي وتحقيقه فإن الاقتصاد السعودي سوف يصبح عمليا اقتصادا متينا لا يتأثر كثيرا بتذبذب أسعار النفط، مما يطمئن الشركات والمواطنين على مستقبل بلادهم اقتصاديا، وسوف يكون لدى الدولة قدرة أكبر على التخطيط للمستقبل بصورة أفضل. وتحقيق مثل الهدف قد يستوجب سياسات أقل تحفظا من مؤسسة النقد في استثمار موجوادتها حيث إن العوائد الحالية من الودائع البنكية والسندات الأمريكية هي عوائد منخفضة ويمكن استثمار نسبة منها (وليس كلها بطبيعة الحال) في استثمارات طويلة الأجل سواء في الخارج، أو في جميع مناطق المملكة، في قطاعات واعدة، وأهمها قطاع تقنية المعلومات وغير ذلك من قطاعات مثل الصحة والصناعة والسياحة، بما يضمن عوائد ربحية أعلى وتحقيق الهدف الوطني المشار إليه.