يعيش العالم الإسلامى في هذا الشهر الهجري المبارك حالة من الروحانيات الجميلة التى تبعث السكينة وتثرى المشاعر الصادقة المتدفقة بالإيمان بسبب أداء مناسك الركن الخامس من الإسلام وهو الحج لبيت الله الحرام بمكةالمكرمة. ونرى الفنان التشكيلي المسلم وقد انطلق من مفاهيم جاء بها القرآن الكريم لتنير عقله ووجدانه، وقد بلغ بفنه مستوى الاستبصار الأسمى للتعبير عن شعائر الحج بالريشة واللون صانعا ومسجلا بذلك لوحات تتجلى في تاريخ الفنون كما عرفها أحد العلماء بقوله "إن الجمال ينقسم إلى جمال الصورة الظاهرة المدركة بعين الرأي وإلى جمال الصورة الباطنية المدركة بعين القلب ونور البصيرة " وبذلك نستطيع أن ندرك مدى الحس الجمالي النابع عن الانفعالات الذاتية والباطنية الذي يترجمه الفنان دون الاعتماد على الحس المادي إلى لوحات تعبيرية شاهده على إيمانه في الخلق الإلهي وإبداع البارى لقيم الجمال. وإذا كان الفنان المسلم قادرا بطبيعة الحال على ترجمة هذه المشاعر التي تعبر عن شعائر ومناسك الحج إلى لوحات شاهدنا بعضها في أعمال فناني الوطن منها على سبيل المثال لا الحصر لوحات الفنان "ضياء عزيز ضياء" والفنان "عبدالله الشلتي" والتشكيلية " هلا بنت خالد" والفنان " عبدالناصر غارم" وغيرهم كثير من فنانين محليين وعرب. ونحن اليوم نطلع على لوحات لفنانين غرب أغلبهم غير مسلمين وقد ولدت هذه المشاعر والمناسك الإسلامية لديهم منهلا يستمد منه هؤلاء الفنانين الغربيين ما يشاء مما هو سامٍ، وليكون وعاء يتسع لقيم جمالية بما تضمنه من معان إنسانية منزهة بين العبد وخالقه وبالتالي فهى الطريق لمعرفة الله والذي يؤكد على هذا لوحة للفنان ليون بيلي" Leon Belly" القافلة في رحلتها إلى مكة وقد رسمها بيلي عام 1861م حيث صاحب الفنان القافلة في الصحراء تحت أشعة الشمس الحارقة مؤكدا على تحمله جميع المشاقة لتسجيل هذه الشعائر منبهرا بالعزيمة الرائعة في نفوس المسلمين وما يتحمله الحاج قديما وقبل ظهور وسائل المواصلات الحديثة بشتى أنواعها للحج لبيت الله الحرام. عمل للفنان لدويك دويتش وقد يعتقد الكثير منا أن لوحات الفنانين المستشرقين اقتصرت على مواكبة ونقل وقائع غزوات "نابليون بونابرت " على بلاد الشرق ولكن في الواقع قد خدمت هذه الحقبة الفنية التاريخية الشرق بنقل حقيقة الشارع الشرقي وما يتضمنه من عادات وتقاليد وكان من أهمها روائع من اللوحات الفنية سجلت لحظات رحلة العمر إلى بيت الله الحرام وهى "رحلة المحمل" والمحمل هو ما يحمله الجمل الذي تبدأ رحلته من القاهرة إلى بلاد الحجاز حاملا كسوة الكعبة داخل صندوق مطرز بأقمشة فاخرة ويطوف شوارع القاهرة حيث يودعه الشعب باحتفالات جميلة ورائعة تزين الشوارع والطرق ونوافذ البيوت والتى كانت أول رحلة له في نهاية عهد الدولة الأموية عندما كان يحكم مصر "السلطانة شجرة الدر" وقد نشاهد هذه اللحظات اليوم وما زالت تبهرنا بإبداع فنانيها حيث تنقلنا لوحاتهم إلى كيف كانت هذه الشعائر محل احترام وتقدير لدى الفنانين الغربيين والتي نلمسها في عدة لوحات على سبيل المثال لا الحصر " خروج المحمل من القاهرة" للفنان ويليامز كوبر عام 1821م "الفنان ماكوفينسكي قسطنطين عن لوحته " المحمل" عام 1876م ، والمحمل في شوارع القاهرة للفنان "لودوج دويتش عام 1909م". كما رائعة الفنان آرتور ميلفي عام 1882 م التي حملت عنوان " الحجاج في استراحة لطريقهم لمكة" . وغيرهم الذين حرك مشاعرهم هذا الركن العظيم من الإسلام فنحن ندين لهؤلاء الفنانين الذين وثقوا هذه الشعائر في وقت لم يكن متوفر لدى العرب فنانين لتسجليها لعدة أسباب لعل من أهمها الأسباب التاريخية واحتلال الغرب لأغلب الدول العربية لكى تبقى هذه الأعمال الفنية إلى الآن في متاحف العالم تنشر ثقافة بصرية إسلامية تمثل محرابا للتأمل الفكري للمدرك الروحي واللامرئي للمشاهد. عمل للفنان ليون بيلي عمل للفنان كارل هاج 1858م