الموهبة لا يمكن فرضها على أحد، فبالموهبة وحدها يُمكنك أن تغزو قلوب من يتابعونك أو يشاهدونك، وهى بمثابة جواز المرور لعقلهم قبل قلبهم؛ فقدرتك على إقناع من يشاهدونك بما تقدمه هى وحدها الكفيلة باحتلال روحهم، والتأثير فيهم بل وإقناعهم. في الفن لدى عدد محدود من الموهوبين الذين تنطبق عليهم هذه الكلمات السابقة، وأتابعهم بشغف بل وتفرض موهبتهم مصداقية على أدائهم لا مثيل لها، لدرجة اندماجي مع كل أدوارهم، فمثلاً هناك العبقري أحمد زكي، والمبدع نور الشريف، والمميز محمود عبدالعزيز، والصادق محمد صبحي، لكن أهمهم بالنسبة لي – على اعتبار أنه من الجيل الحالي الذي فرض نفسه وبقوة على الساحة الفنية – خالد صالح ذلك الممتع القدير الموهوب المثقف الخلوق الذي لن يجود الفن بمثله، صاحب صاحبه الذي لا يهمه مساحة الدور بقدر أهمية الدور نفسه، فمن منّا يستطيع أن ينسى دوره في فيلم محامي خلع، أو عن العشق والهوى، أدوار صغيرة؟ نعم، لا تتعدى مشهداً أو اثنين؟ نعم، لا ترقى حتى لمصاف النجم الثاني في العمل؟ نعم، لكن هل يمكن الاستغناء عنها في العمل ككل؟ لا وألف لا "فالتيمة" التي كانت تلازمه دائمًا في هذه المشاهد علامات ستظل عالقة في ذاكرة الفن. بداية تعارفي به كانت في مسلسل أم كلثوم عام 1999 – وهو أول أعماله بالمناسبة - في دور مأمون الشناوي، ولن أنسى المشهد الذي صمم فيه على عدم تغيير كلمة من أغنية آدي الربيع، لدرجة إني صدقت فعلا إنه مأمون الشناوي وهو يُدافع عن قصيدته وحرصه الشديد على عدم المساس بحرف فيها، تبع ذلك العمل عدة أعمال كانت بمثابة نقطة تحول رائعة في تاريخه الفني "ملاكي إسكندرية"، و"حرب أطاليا"، "أحلى الأوقات"، "فتح عينيك"، أثبت في هذه الأعمال قدرات تمثيلية لا مثيل لها. وفي التليفزيون وقفت مشدوهة أمام سلطان في "سلطان الغرام"، وخالد صالح هو ذلك النجم الذي يسعد بكونه النجم الثاني أو الثالث في أى عمل، "نجم الظل" إذا أجدت استخدام العبارة في وصفه رحمة الله عليه، في هذا العمل عشقت خالد صالح بكل ما تحمله الكلمة من معنى فقد كان أداؤه التمثيلي حالة جميلة أشعرتنا جميعًا بالسعادة، تلتها رائعته في بعد الفراق تأكدت حينها أنه ليس "ممثلا بالصدفة" بل هو ممثل كبير تأخرت كثيرًا نجوميته ونحن من خسرنا لعدم وجوده على الساحة الفنية "من زمان"، بعدها أضحكني كثيرًا وفاجأني أيضاً بشكله غير المعتاد في "ابن القنصل"، لكن المتعة الحقيقية مع خالد صالح كانت في"9 جامعة الدول"، كان في هذا العمل قائد سيمفونية جميلة جاءت عبارة عن رسالة موجهة للعالم العربي في قالب كوميدي، يعكس مدى وعيه الشديد بقضايا الأمة العربية وبرسالة الفن الأصيلة في دعم هموم الوطن سواء كان شأنًا داخليًا أم خارجيًا. خبر وفاته كان صدمة فاجعة لكل محبيه وأنا من ضمنهم، لأني من أشد المعجبات به وهذا حقه علينا، فموهبته وحدها هي من فرضت علينا حبه واحترامه وتقديره، رحمك الله أيها المبدع، فقد رحلت بجسدك فقط، ولكن أعمالك ستظل بيننا لن ننساها، ذلك الوجه المصري الأصيل هو الماركة المسجلة التي ستُحفر في أعماقنا، ومهما مرّ الزمن بنا وتعاقب علينا ممثلون كُثر، ستبقى وحدك "خالدًا" بأدائك الذي سيكون دائمًا "صالحًا" لكل زمان ومكان لأجيالٍ عديدة .