يقتحمنا دائماً سؤال عن المستفيد من إشعال النار في أرجاء هذه المنطقة وبعث الفوضى المدمرة في أوصالها ؟ فهل كُتب على أمتنا أن تخوض حروباً شرسة من حين لآخر بتخطيط من أعدائها، وبأيدي حفنة من أبنائها الذين يتآمرون عليها ؟ تكمن مشكلتنا في غياب الرؤية الإستراتيجية، حيث يُنظر إلى المشكلات في إطارها المحلي والآني، دون وعي بتداعياتها وآثارها الإقليمية والدولية والمستقبلية، وعندما تخرج تلك التداعيات والآثار عن حدود السيطرة، تكون النتائج كارثية على الجميع ! ترتكز الأوضاع الشائكة في منطقتنا على محدّدات، منها إيديولوجية تعمل على تأجيج الصراع في المجتمع العربي بأسره، يقوم به بعض من الحزبيين ورجال الدين ممن لهم باع في إشعال غرائز الجماهير بخطاب ناريّ يحمل في ثناياه نزوعاً عدائياً تجاه الآخر الشريك في الوطن والدين، ومحددات مذهبية أعطت إيران مساحة للتدخل في شؤون المنطقة والسيطرة على بعض الدول العربية عبر عملائها السياسيين، ومحددات نفسية تتمثل في شعور الاستعلاء القبلي والتفوق على الآخرين، وشيوع ثقافة العنف، ما سهّل على المتطرفين في كلا الاتجاهين الاجتراء على الآخر المشارك لهم في الوطن، كذلك على الوطن بأسره حرباً وإرهاباً ومصادرة لقراراته، تتساوى في ذلك الجماعات والأحزاب المختلفة، وباقي فلول الإرهاب وزعمائه في كل العالم العربي من البحرين حتى المغرب، ويشكل العنف بجانبيه الفكري والمادي وسيلة لإنجاح المساعي الهادفة إلى إحكام السيطرة على المنطقة العربية تمهيداً للانقلاب على الدولة، وقد رأينا أمثلة ذلك في لبنان بين المعارضة والحكومة الشرعية، وفي اليمن بين المتمردين والحكومة، وكذا ما يحاوله متمردو البحرين، وما يفعله إخوان مصر، من لدن مرسي وحتى يومنا هذا، من عمليات إرهابية تهدف إلى زعزعة الأمن، آملا بعودة حلم إبليس في الجنة، يدعمهم في هذا إخونج في بلادنا الذين يشاركونهم توجههم، ذلك ما تكشفه تصرفاتهم الصبيانية على موقع تويتر الذي يصولون فيه ويجولون، لا فرق بين نسوة الإخونج ورجالهم، فكلهم في خدمة أجندة كبيرهم الذي علمهم السحر، بل ربما تفوقت بعض النسوة في إلهاب حسابها التويتري، تحريضا على كل ما له علاقة بالمرأة من سياسات تجترحها الدولة، بالتآزر مع نسوة أخرَ يشغلن مواقع رسمية ! ولا يختلف مشروع ميليشيا داعش عن مشاريع من سبقها من الجماعات والأحزاب، عدا أنها لم تضيع الوقت فسرعان ما أعلنت عن إقامة الدولة الإسلامية، لتكون منطلقا نحو باقي الدول العربية . إذ مشروعهم جميعا مشروع تآمري وتوسعي يهدف إلى السيطرة على المنطقة بأكملها، لتفتيتها حسب رغبة الغرب ومن يواليهم وينفق على مشروعهم، ولإقامة دولة الخلافة الإسلامية، ذلك الحلم الذي ما زال يراود كثيرا من المجانين والمغامرين في الأمة الإسلامية! فقد كان ذلك هدفا من أهداف حركة الإخوان منذ اليوم الأول لإنشائها، وحزب العدالة والتنمية، وحزب الفضيلة والعدالة وطالبان، والقاعدة. لماذا دعا الملك عبدالله حفظه الله لقتال داعش ؟ أو ليس ذلك استشعارا منه بالخطر الذي يحدق ببلادنا، وانسجاما مع مسؤوليات القائد المؤتمن على أمن البلاد والعباد ؟ لماذا سارع الإخونج ومن يدين بعقيدتهم إلى شحذ سكاكينهم ضد موقف بلادنا منذ الوهلة الأولى لإعلان النية في القتال؟ أسئلة نوجهها لأولئك الذين يتباكون على داعش ويلموننا إذ تعاملنا معهم بما يليق والجرم الذي يرتكبونه ! إنه لا بلدَ في الدنيا يقبل بوجود عصابة مسلحة بالقرب منه، لا تنفك عن بثّ رسائل التهديد، واستقطاب عدد كبير من أبنائه المغيبة عقولهم بسياط فقه التطرف الذي اقتحمنا ذات سعير صحوي، زاعمة أنها تمثل الإسلام والمسلمين، محاولة فرض نفسها قوة لا تقهر ! عصابة كهذه لا يجوز معها إلا منطق القوة، أما الذين يغمضون أعينهم - من إخونج الداخل والخارج - عن إجرامها وما تلحقه بالأمة العربية والإسلام من أضرار، فنقول لهم كفوا أذاكم عن بلادنا، وتوقفوا عن البكائيات واللطميات التي أدمنتموها، حتى بدوتم في صورة النائحات المستأجرات، إن ما تقوم به بلادنا حق مشروع حظي بتأييد الدول الكبرى ومشاركتها ! إن البكائيات علاوة على التشكيك والشجب والاستنكار، لا تعدو ما اعتاد بثه أولئك الحاقدون والمغرضون والحمقى، عبرالقنوات الفضائية، ومدوناتهم، والفيس بك وتويتر، ليس حباً بداعش بل دفاع عن فكرهم وانتمائهم الحزبي الإخونجي الذي ما زال ينفث سمومه أملا باستعادة دولة الإخوان المزعزمة . فلا عجب أن بدأوا منذ أن شرعت قوات التحالف ومنها بلادنا في ضرب مواقع داعش، في التباكي ونسج الأكاذيب، ونشر صور لأطفال من ضحايا غزة، وبراميل بشار على أنها صور لضحايا قصف القوات السعودية في سورية، وذلك على تويتر- للبرهنة على ذلك اظهروا حسابات أسماء معينة شمرت عن سواعدها منذ اليوم الأول لقتال داعش، لا سيما الذين كانوا يشهرون أصابع الماسونية، وأصحاب أجندة التفكيك -. نسج الأكاذيب ليس جديدا، فهو عقيدة لدى جماعات الإسلام السياسي، وشواهد ذلك كثيرة طوال تاريخهم الدموي والهمجي، يحدث باسم الإسلام الذي يبرأ من فكرهم وانتهازيتهم، وليست أكاذيب رابعة عنا ببعيدة. كان للإخونج طوال تاريخهم مواقف انتهازية، وحسابات خاصة، فقد سبق لهم أن وقفوا مع إيران ضد صدام حسين؛ لأنهم يرون أواصر الدين أقوى من أواصر العروبة، وأن الأممية الإسلامية أقوى من القومية العربية، ككل الإسلامويين الحركيين، كما وقفوا مع صدام ضد الكويت اعتراضاً على مشاركة القوات الأجنبية – وكان بعض رؤوس تلك الفتنة من عتاة إخونج وصحويي بلادنا، الذين ما زالوا في غيهم يرتعون، وما انفكوا يغمضون أعينهم التي أعمتها الأموال الشريفة، فلا يرون ما تفعله إيران لتمزيق البلاد العربية، لذا فمن الطبيعي أن يغمضوا أعينهم عن إرهاب الدواعش، ويديرون دفة الأمور نحو الوجهة التي يرونها ؛ لترسيخ ما ينشرونه من أكاذيب، وهذا يدل على حجم الكراهية التي تستوطن نفوسهم ضد كل ما هو عربي ! وعن انتهازيتهم وتقلبهم قال الامير نايف - رحمه الله - في لقاء أجرته معه جريدة السياسة الكويتية: "عندما حصل غزو العراق للكويت، جاءنا علماء كثيرون على رأسهم الغنوشي والترابي والزنداني وأربكان وآخرون، فاجتمعوا بالملك وبولي العهد وقلنا لهم: هل تقبلون بغزو دولة لدولة؟ وهل الكويت تهدد العراق؟ قالوا نحن أتينا فقط لنسمع، ونأخذ الآراء، ثم ذهبوا للعراق، وفوجئنا بهم يصدرون بياناً يؤيد الغزو العراقي للكويت". ويؤكد انتهازيتهم تلك ما قاله سعود الناصر الصباح في مقابلة له في جريدة (الشرق الأوسط) في اكتوبر 2001، وجه فيها نقدا لاذعا لبعض رموز الإخوان الكويتيين الذين سافروا إلى أمريكا أثناء الاحتلال العراقي للكويت، وطلبوا لقاءه بصفته سفيرا، بغرض إقناعه بعدم جواز الاستعانة بالأمريكان لتحرير الكويت، يقول : " ولما سألتهم عن البديل، قالوا : قوات اسلامية، فابتسمت لهذا الهراء، وطلبوا إعطاءهم خمسين مليون دولار لتمويل حملتهم (الهيئة العالمية لمناصرة الكويت) " وأورد أسماء عدد منهم ممن يعدون من رموز الإخونج في الخليج. إن الأزمة التي تعيشها بلادنا هي أزمة عقول ساعدت على نمو ثقافة التطرف والعمل الحزبي المنظم الذي لبس لباس الدين، واستطاع من خلاله تمرير كثير من المقولات الإرهابية وتفخيخ عقول الشباب بدعاوى باطلة فيها كثيرمن الاجتراء على الوطن والمواطنين ! والترويج للأكاذيب التي تخدم أهدافهم المدمرة، هؤلاء الذين يفزعهم النشيد الوطني لا يفزعهم الإرهاب ولا قتل الأبرياء ولا جز الأعناق، بل بلغ الفجور ببعضهم أن حرضوا على الوطن، وأقحموا أبناءه في حروب جعلت أولئك الشباب المغرر بهم علامة بارزة على بؤسنا التعليمي، الذي جعل تلك الحفنة المتسلطة تتصدر المشهد الوطني ّ، أولئك الماكرون، أنتجوا خطابا ماكرا مضللا طوال سنوات الغفوة، فجمعوا الأموال وحشدوا الأنصار، وربوا الأتباع والمريدين- وما أكثرهم الآن على تويتر - ونجحوا أيما نجاح في تنمية الثقافة الغوغائية التي تلغي دور العقل، وتجعل المتلقي مجرد وعاء يسكب فيه الرؤساء ما يريدون من أفكار، فلا يكاد صاحب الخطاب ينهي خطابه، أو يرفع أصابعه عن لوحة المفاتيح، حتى تتلقف غثاءه الحناجر المشحونة والمحتقنة، وسرعان ما يظهر صداه هياجا ونواحا وعويلا يبثه الأتباع والمريدون والأنصار - سمهم ماشئت - في تويتر الذي فتح أبوابه مشرعة لهم، ناهيكم عن المدارس والجامعات ووسائل الإعلام المتطرفة ! ويتراءى أولئك الاتباع كجوقة الهتّافين تلقاهم صباح مساء لا يكفون عن أداء نغمة واحدة لا يضاهيها أي شيء في الملل والرتابة والنشاز، ولا أدل على ذلك من انتشار حملات السباب والشتائم والتجريح، ما عمق الحواجز النفسية بين أبناء المجتمع الواحد، كما استحكمت عقيدة الكراهية حتى غدت فعلاً جماهيرياً أنتج كثيراً من الخطب والفتاوى والكتب التي تغذي نجوميتهم لدى تلك الجموع المغيبة والمستلبة. إنه ليس من السهولة القضاء على فكر التطرف والإرهاب قبل القضاء على رموزه التي أفرزته وزرعته في عقول الشباب، وإلا فإننا سنظل نراوح مكاننا، إن لم يقدنا ذلك إلى ما يهدفون إليه من إثارة احتراب داخلي كما يحدث في غير بلد عربي، لندخل نفق حرب عبثية تأتي على الأخضر واليابس - وهو بالتأكيد ما يسعى إليه الإخونج، تشهد على ذلك طروحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي-. أعجب كثيرا لأولئك الذين يقدمون أنفسهم دعاة أو أصحاب رسالات دينية ومجتمعية، في الوقت الذي يتداخل في عقولهم وطرحهم، العنف مع ما يزعمونه من تمسك بقيم الدين على نحو غريب، كيف ينسب داعية أو ناشط ديني نفسه للإسلام في الوقت الذي يتآمر فيه على وطنه ؟ أو ليس التحريض على المواطنين وسياسة الوطن فساداً حذر منه الإسلام ؟ يجب وضع حد لأصحاب الأجندات المشبوهة والفكر التآمري، بتتبع ما يكتبونه أو ما ينقلونه من تغريدات الآخرين، ما يؤكد موافقتهم لهم، ذراً للرماد في العيون، أولئك الذين وجدوا الباب مشرعا لهم في تويتر ليمارسوا إرهابهم وعنفهم اللفظي ضد بعض المواطنين والدولة بعموم مؤسساتها أخيرا أجدني أردد مع بعض المخلصين قوله : " إن دول العالم وعلى رأس هذه الدول الولاياتالمتحدةالأمريكية، إذا لم تحاصر جماعة الإخوان وثقافتها ونشاطاتها والحركات المتفرعة عنها، فلن تفلح في محاصرة الإرهاب.".