لم يكن مفاجئاً ظهور تلك الميليشيا الإرهابية التكفيرية (داعش) في سورية وفيما بعد في العراق، فهي وكل أخواتها من الميليشيات الإرهابية التي تزعم أنها مسلمة، تريد إقامة شرع الله، ليست إلا بذرة من بذور القاعدة التي أسسها كبير الإرهابيين ابن لادن، عميل أمريكا وإسرائيل. من يتأمل كل ما فعله من حرب على بلادنا ودول العالم يدهش أنه لم يوجه رصاصة واحدة لإسرائيل، ما يدل على أن أولئك القتلة والإرهابيين المتطرفين الذين ينتسبون كذبا ونفاقا إلى الإسلام هم أبعد ما يكونون عنه، لأن كل أفعالهم تتصادم معه على نحو كبير. يكفي فقط أن ابن لادن أشعل فتنة في العالم الإسلامي كله، الفتنة التي لعن الله من أيقظها، ناهيكم عن استخفافه بكل تعاليم الدين التي تنهى المسلم عن قتال أخيه ليست الدولة الإسلامية التي أعلنت ميليشيا داعش عن إقامتها، مشروعًا قتاليًا لإزالة أنظمة الحكم في البلاد العربية، بل هو مشروع تآمري وتوسعي يهدف إلى السيطرة على المنطقة بأكملها، لتفتيتها حسب رغبة الغرب ومن يواليهم، ولإقامة دولة الخلافة الإسلامية، ذلك الحلم الذي ما زال يراود كثيرا من المجانين في الأمة الإسلامية! المسلم، وبث الفرقة بين المسلمين، ونشر الفساد في الأرض (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ)، لكن عمالته للغرب المعادي للإسلام أقوى من تعاليم الدين وآدابه رسوخا في نفسه، وكان قد اندفع برغبة مجنونة لإخراج (الكفار) من بلادنا التي كان يسميها بلاد الحرمين، إذ صار حلفاء الأمس في أفغانستان (الغرب) أعداء، بدليل أحداث 11 سبتمبر 2001 التي أقرّ بدوره فيها، ولا ننسى دعوته لإقامة الخلافة الإسلامية تحت وطأة جنون العظمة الذي تلبس به، لقد صدق ذلك الساذج ومن تبعه أن (الأحزاب) كالغرب وإيرانوتركيا والإخوان وباقي الفصائل والميليشيات سيسمحون لهم بإقامة الدولة ليكونوا على رأسها، غير مدركين أنهم مجرد أدوات يستخدمونها، وفيما لو تحقق مشروعهم سيلقون بهم إلى الأماكن التي تليق بخونة الأوطان أمثالهم، كما فعلت أمريكا مع المقبور ابن لادن ! لقد شكلت الأحداث الأخيرة منعطفا جديدا في استراتيجية الإرهابيين التي ظهرت في أهدافهم الخطيرة، بتقدم تنظيم داعش وانهيار الجيش العراقي، ما أثار كثيرا من التساؤلات فيما إذا كانت ميليشيا داعش تعمل منفردة، وتخطط لعملياتها واستراتيجيتها العسكرية والسياسية - لاسيما أن المساحة الشاسعة التي تسيطر عليها، والتهديد بمتابعة زحفها نحو بغداد ومدن مثل النجف وكربلاء- لا يتناسب وقوتها العسكرية والبشرية واستراتيجيتها المعروفة، ما يشير إلى وجود من يقف وراء "داعش" ويستخدم التنظيم واسمه كواجهة، فمن يقف وراءها ؟ ولماذا لم تحاول الجهاد - وهو الذريعة التي يتذرع بها الإسلامويون والإرهابيون - ضد إسرائيل، والطريق إليها عبر الجولان ليس هناك ما هو أسهل منه؟ يذكر المحلل الاستراتيجي والمستشار السياسي كريستوف ليمان في تقرير له، العلاقة بين تنظيم (داعش) والولاياتالمتحدة الأميركية، إذ كان الضوء الأخضر لقرار الحرب على العراق باستخدام ميليشيا داعش، قد اتخذ خلف أبواب مغلقة على هامش قمة الطاقة للمجلس الأطلسي في اسطنبول في نوفمبر 2013، في مقر العمليات في السفارة الأميركية في أنقرة، من أجل تفتيت وحدة العراق، وتوسيع الصراع السوري، إلى حرب شرق أوسطية شاملة، لبث الفوضى المدمرة في المنطقة، باستثناء إيران، وتركيا التي وصفها رئيس المجلس الأطلسي فريدريك كمبي بأنها (بلد مركزي بكل المقاييس، بوصفها عامل استقرار على المستوى الإقليمي، ويتوقف نجاح المشروع على مدى قدرة كل من الولاياتالمتحدةوتركيا على العمل بانسجام)! لهذا جاء رد فعل تركيا على الأزمة العراقية (خافتا وخاليا من الخطب الرنانة، أو الدعوات الدولية لاتخاذ خطوات عملية كانت قد طالبت بها في أزمات المنطقة السابقة، كما دعوا إلى تجنب الضربات الجوية على المقاتلين المتشددين دون وصفهم بالإرهابيين) ! ليست الدولة الإسلامية التي أعلنت ميليشيا داعش عن إقامتها، مشروعًا قتاليًا لإزالة أنظمة الحكم في البلاد العربية، بل هو مشروع تآمري وتوسعي يهدف إلى السيطرة على المنطقة بأكملها، لتفتيتها حسب رغبة الغرب ومن يواليهم، ولإقامة دولة الخلافة الإسلامية، ذلك الحلم الذي ما زال يراود كثيرا من المجانين في الأمة الإسلامية! فقد كان ذلك هدفا من أهداف حركة الإخوان منذ اليوم الأول لإنشائها، فقد أعلنت أنها حركة إسلامية سنية تعمل على نشر الدعوة الإسلامية وإعادة الخلافة، وكذا أعلن حزب العدالة والتنمية، وحزب الفضيلة وطالبان، واستمر ذلك الهدف حتى يومنا هذا مع فلول الإخونج في شتى الدول العربية، كما ظلت دولة الخلافة هدفا لدى إرهابيي القاعدة، منذ ابن لادن وحتى اليوم، وهو ما خيل لزمرة الإرهابيين من شذاذ الآفاق المنتمين لداعش وأخواتها، أنه قد تحقق لهم مؤخرا في العراق. إن ما كشفت عنه الأحداث الأخيرة ينبغي اعتباره تحقيقا لاستراتيجية الإرهابيين، والنظر إليه من خلال آلياته وأساليبه الجديدة وفي سياق الأحداث التي شكلته، إذ تقوم استراتيجية الإرهابيين كالقاعدة، وداعش على الأفكار التي وردت في كتاب " إدارة التوحش" وهو عبارة عن دراسة: نفسية- اجتماعية –عسكرية- سياسية- اقتصادية- إعلامية؛ تركز على ميكانزيم البقاء وميكانزيم التمدد مع التركيز المكثف على الاستقطاب والاختراق، ألفها مارق منهم اسمه: أبو بكر ناجي. وكنت كتبت مقالين عن الكتاب في هذه الجريدة، بعنوان (حزب الشيطان وإدارة التوحش، 6 يوليو 2008). تشرح الدراسة مفهوم إدارة التوحش بأنه: (عند سقوط الدول الكبرى أو الإمبراطوريات - سواء أكانت إسلامية أم غير إسلامية - ولم تتمكن دولة مكافئة في القوة أو مقاربة للدولة السابقة، من السيطرة على أراضي ومناطق تلك الدولة التي انهارت، تتحول بالفطرة البشرية مناطق وقطاعات هذه الدولة للخضوع تحت ما يسمى بإدارات التوحش. لذلك تعرّف إدارة التوحش باختصار شديد بأنها: إدارة الفوضى المتوحشة..)! وهذا القبس – حسب استراتيجيتهم - يؤكد أنهم رأوا في سورية والعراق أبرز مثال للفوضى المتوحشة، ما استدعى قيام دولتهم المزعومة لإدارة تلك الفوضى، وجاء في الدراسة ما يبرر قيامهم بإعلان الدولة، ومحاولة الاستيلاء على العراق كله، ليكون منطلقا لدولتهم : (لماذا أطلقنا عليها "إدارة التوحش" أو "إدارة الفوضى المتوحشة" ولم نطلق عليها "إدارة الفوضى" ؟ (ذلك لأن) (منطقة التوحش قبل خضوعها للإدارة ستكون في وضع يشبه وضع أفغانستان قبل سيطرة طالبان.. منطقة تخضع لقانون الغاب بصورته البدائية، يتعطش أهلها الأخيار منهم، بل وعقلاء الأشرار لمن يدير هذا التوحش، بل ويقبلون أن يدير هذا التوحش أي تنظيم أخياراً كانوا أو أشرارا،ً إلا أن إدارة الأشرار لهذا التوحش من الممكن أن تحوّل هذه المنطقة إلى مزيد من التوحش) إذن لا أحد غيرهم يراه أهل المنطقة جديرا بإقامة الأمن وتحقيقه، لأنهم أخيار وهم وحدهم القادرون والمؤهلون لذلك !! ثم تتحدث الدراسة عن إدارة التوحش الذي سيعم المنطقة، وكأنها تستشرف المستقبل مؤكدة ما يحدث اليوم في العراق وسورية على وجه الخصوص : (إدارة التوحش هي المرحلة القادمة التي ستمر بها الأمة، وتُعد أخطر مرحلة فإذا نجحنا في إدارة هذا التوحش ستكون تلك المرحلة - بإذن الله - هي المعبر لدولة الإسلام المنتظرة منذ سقوط الخلافة، وإذا أخفقنا - أعاذنا الله من ذلك - لا يعني ذلك انتهاء الأمر ولكن هذا الإخفاق سيؤدي لمزيد من التوحش..)!! إذن القضية ليست استشرافاً للمستقبل، بقدر ما هي مخطط، أعدّ له بعناية بالغة من قبل كل الأطراف المتآمرة، حتى وصل إلى منتهاه، الذي نراه ماثلا أمام أعيننا..