لا ينكر عاقل أن إيران تدعم عصابة الحوثيين المتسللين إلى حدودنا الجنوبية ، تحقيقاً لأهداف وأجنداتٍ خاصة باتت مكشوفة ، إلا لأولئك المنتفعين والمستفيدين الذين تتوافق أهدافهم مع أهدافها في تمزيق المنطقة العربية وزعزعة أركانها ونشر الفوضى في جنباتها ، كالقاعدة والإخوان المسلمين وبعض الأحزاب والجماعات المتطرفة في المنطقة العربية . علاوة على بعض القنوات الفضائية التي جعلت نفسها ناطقا رسميا لوجهات النظر المتطرفة في المنطقة . فلم يعد خافيا أنّ إيران تريد إشعال المنطقة العربية ناراً بإثارة النعرة الطائفية ، ووأد الانتماء الوطني والحس القومي ، ولعل من أبسط سياساتها في جانب شق الصف العربي هو ما تفعله في الأعياد الدينية بالإيعاز لمن يتبعها من العرب بأن يكون عيدهم حسب عيدها ، وهي وإن كان قد يشفع لها في رمضان وعيد الفطر حديث صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فماذا عساها أن تبرر مخالفتها لجميع مسلمي العالم في عيد الأضحى ، ذلك أن الوقوف في عرفة هو المحدد ليوم العيد ؟ وماذا يعدّ حجاجها يوم الجمعة الذي صادف العيد هذا العام ، فإن لم يكن عيداً فماذا يكون ؟ أيكون امتداداً لوقفة عرفة لكن في منى ؟ وماذا عن مناسك الحج الأخرى التي تؤدى بعد يوم عرفة ؟ أسئلة تتبادر إلى ذهني كلما رأيت الممارسات الصبيانية التي تقوم بها إيران ، ويسير في فلكها أقوام لا يخفى عليهم حرصها على العبث بكل ما يمت للعرب بصلة ! بعد أن وجدت إيران أن أقدامها قد ترسخت في العراق ولبنان وغزة ، أخذت تبحث لنفسها عن موقع آخر يزيد من حدة التوتر في المنطقة العربية والتدمير المنهجي لفكرة العيش المشترك فيها، بتشجيع الجماعات الانفصالية والمتمردة للاستقواء على دولهم ، فوجدت ضالتها في صعدة اليمنية ولأنها ما زالت تحلم بإعادة مجدها الفارسي ؛ فإن كل ما تفعله يصب في هذا الهدف . لذا جاء دعمها للحوثيين في صعدة تدخلاً سافراً في الشأن اليمني ، وإزعاجاً متعمداً لأكبر دولة في منطقة الخليج العربي من خلال اليمن ، وهي تدرك قبل غيرها أنه لا يمكنها استخدام الحوثيين - ورقة جديدة تلعب بها كما لعبت قبلاً بالورقة الفلسطينية واللبنانية بواسطة عملائها والمحسوبين عليها - لزعزعة أمن بلادنا واستقرارها وكذلك اليمن ، فالحوثيون أعجز من أن يتمكنوا من ذلك ، لا ننكر أنهم مزعجون لكن ما يفعلونه كطنين أجنحة الذباب الذي يزعج لكنه لا يضرّ ، ولهذا فإنهم بعد مضي أيام قليلة من تسللهم إلى حدودنا أخذوا يعلنون رغبتهم في التفاهم ، مما يؤكد أن المتمردين عادة لا يطالبون بالتفاهم إلا عندما يدركون صعوبة تحقيق المهمة التي أوكلت إليهم ! وهذا يعني أيضا أن الحوثيين ومن هم على شاكلتهم من السهل دحرهم وإفشال مخططات إيران التي راهنت على نجاحهم ، لكن الأهم هو قطع الطريق على إيران وعصاباتها من محاولة خلق حوثيين آخرين في منطقة عربية أخرى ، فهم كالمرض المعدي إن لم تقض ِ على أسبابه فإنه لا يلبث أن يعاود الظهور في مكان آخر ! وكان للإخوان المسلمين ( فرع ) موقف متخاذل من اعتداء الحوثيين على حدودنا الجنوبية وهذه الحالة الإخوانية ليست جديدة عليهم ، فقد سبق لهم أن وقفوا مع إيران ضد صدام حسين ؛ لأنهم يرون أواصر الدين أقوى من أواصر العروبة ككل الإسلامويين ، كما وقفوا معه ضد الكويت اعتراضاً على تدخل أمريكا ودول الغرب ، وهاهم الآن يغمضون أعينهم التي أعمتها الأموال الشريفة فلا يرون ما تفعله إيران لتمزيق البلاد العربية ، وهذا يدل على حجم الكراهية التي يكنونها للوطن العربي ، فمن يؤيد إيران في سياستها العبثية ليس سوى عميل لها وكاره لأمته ! أما قناة الجزيرة فإن عرضها للمسألة الحوثية يؤكد كل ما توصف به من عدم مصداقية وتزييف للوعي وتغيير للحقائق ، وانحياز لطرف ضد آخر ، وليس أدل على ذلك من أنها تكتفي بنقل وجهة نظر الحوثيين وحدهم مع كل ما فيها من أكاذيب ، مما يضطر بلادنا إلى تكذيب مزاعم الحوثيين التي تتبناها الجزيرة ، وهذا ليس بمستغرب على توجهها وخطها الإعلامي فلقد دأبت على صب الزيت على النار والترويج لوجهة نظر واحدة ، وهي في الغالب وجهة النظر المتطرفة كما كانت تفعل في حرب العراق وترويجها للإرهابيين ، وهو الأمر نفسه الذي تفعله مع القاعدة ! تتجلى الهزيمة الثقافية العربية في تخلي الحزبيين والإعلاميين عن دورهم في الدفاع عن قضايا الأمة المصيرية وبالذات ما يتعلق بأمنها ووحدتها العقائدية والجغرافية والاجتماعية ومناعتها أمام الغزو والتدخلات الخارجية ، وتحولهم إلى أبواق وأدوات لتبرير الإرهاب والعنف وتمجيدهما ، ودعم التمرد والحركات الانفصالية التي تظهر في هذا القطر أو ذاك على أسس عصبوية ضيقة تعاني منها الأمة ، مما يعدّ في الوقت ذاته إسهاماً في زيادة تغييب العقل وإشاعة ثقافة الهزيمة والإحباط في أوساط الرأي العام . ألا يعلم الذين ينكرون علاقة إيران بالحوثيين أنهم يتلقون السلاح منها عبر سفن لهم تجوب جنوب البحر الأحمر بحجة البحث عن القراصنة الصوماليين ، فيما هي تفرغ حمولتها من السلاح في ميناء أريتري ليحمله الحوثيون إلى الداخل اليمني ؟ كما شارك مدربون عسكريون تابعون للحرس الثوري الإيراني ولحزب الله اللبناني في المعارك الدائرة مع الحوثيين ، وذكرت معلومات استخباراتية بريطانية مؤخرا ( أن العشرات من خبراء ومدربي الحرس الثوري وحزب الله يغادرون السواحل اليمنية الغربية باتجاه السواحل السودانية والأريترية خوفا من وقوعهم في قبضة القوات السعودية أو اليمنية ، وأشارت المصادر إلى أن ما بين ثلاثين إلى أربعين خبير أسلحة ومدرباً من إيران وحزب الله قتلوا في المواجهات ، وهذا يؤكد ضلوع طهران بكل قوتها في الأحداث . وهؤلاء من ضمن مجموعات للحرس الثوري وحزب الله في لبنان تسللت إلى الأراضي السعودية مع المتسللين الحوثيين لفتح جبهة على غرار الجبهات التي فتحتها في كل من العراق ولبنان وغزة ) ! . تستخدم إيران حزب الله وسيلة لاختراق المجتمعات العربية مع ما يعنيه ذلك من فتنة مذهبية وتكريس لإرهابها ، وإنّ صمت الدول العربية على ممارسات حزب الله التي رأينا مثالا لها في مصر ، سيجعل حزب الله يتمادى فيما يفعله ، كما أن حزب الله مطالب بتوضيح موقفه ودوره في حرب الحوثيين ، وإذا ثبت أن له علاقة بما يجري على الحدود، فلابدّ من وضع الحكومة اللبنانية أمام مسؤولياتها ، كلنا يعلم أن لحزب الله قوة تفوق قوة الدولة، لكن هذا لا يعني أن تتركه يعيث فساداً في الدول العربية التي دأبت على الوقوف بجانب لبنان ، فإن كانت لبنان لا تستطيع السيطرة عليه في الداخل اللبناني ، فإن ذلك لا يعفيها من مسؤولية مراقبته ومنعه من توريطه مع أشقائه العرب لحساب إيران ، لأن هذا الصمت يضرّ بمصالح لبنان السياسية والاقتصادية ! لماذا نقاتل الحوثيين ؟ سؤال نوجهه لأولئك الذين يتباكون على الحوثيين ويلموننا إن تعاملنا معهم بما يليق والجرم الذي ارتكبوه ، إنه لا بلد في الدنيا يقبل بوجود عصابة مسلحة على حدوده ، عصابة تدعمها دولة مارقة أصبحت أكثر دول العالم إثارة للإزعاج ؛ لما تسببه من تدخلات وإثارة للنعرات والعصبية المذهبية ، محاولة فرض نفسها قوة لا تقهر ، لكنها تتراجع مذعورة عما تهدد بفعله لدن استشعارها قوة الطرف الآخر ، ولعل ما فعله حجاجها من إعلان البراءة بشعاراتهم المتهالكة داخل مخيمهم وعدم قدرتهم على الخروج منه ، دليل على الجعجعة التي تكثر منها إيران ، ثم تتراجع عندما ترى أن الطرف الآخر عازم على منعها من عمل ما تريد ! تخال إيران نفسها قوية ، ولذلك لا ينجح معها إلا منطق القوة ، أما الذين يغمضون أعينهم عن تدخلها في الشأن اليمني وتحريضها الحوثيين على وطنهم ، ويدّعون كذبا أن بلادنا تشتري السلاح بأغلى الأثمان لتشن حربا على اليمن في الأشهر الحرم ! ، بل ويرون هذا مبررا لتدخل إيران ؛ وكأن إيران أصبحت الحامية للعرب والمسلمين والوحيدة التي لها حق الدفاع عنهم ، كما يتجاهلون عامدين أن الحرب- إن جاز لنا تسميتها حربا - ليست بيننا واليمن ، فاليمن نفسه أول من شرب من كأس السم الإيراني بأيدي الحوثيين ، وما تقوم به بلادنا لطرد العصابة الحوثية عن حدودنا حق مشروع حظي بتأييد معظم دول العالم ! هذه النغمة النشاز هي التي اعتاد الحاقدون والمغرضون والحمقى العزف عليها عبر الصحف والقنوات الفضائية ، ليس حباً بالحوثيين بل دفاع عن أجندة إيران وليّة نعمتهم . أخيرا ، هل كُتب على العرب أن يخوضوا حروباً شرسة من حين لآخر بتخطيط من إيران وبأيدي حفنة من أبنائهم الذين يتآمرون معها عليهم ؟ تكمن المشكلة لدى معظم الدول العربية في غياب الرؤية الإستراتيجية ، حيث يُنظر إلى المشكلات في إطارها المحلي والآني ، دون وعي لتداعياتها وآثارها الإقليمية والدولية ، وعندما تخرج تلك التداعيات والآثار عن حدود السيطرة ، تكون النتائج كارثية على الجميع !