منذ أن انطلق مهرجان الجنادرية عام 1405/1985 تحت إشراف وزارة الحرس الوطني، وهو يولي اهتمامه بترسيخ ثقافة الشعب وتخليد مبادئه وعاداته وتقاليده، لكنه في نفس الوقت خدم الموسيقى السعودية ومنح الأغنية عدداً كبيراً من الأعمال الوطنية الخالدة. كانت الأغنية الوطنية حاضرة في كل المحافل منذ مولد الأغنية السعودية، وكان المطربون يتسابقون في تقديم إحساسهم وتعزيز مفهوم المواطنة، لكنها كانت في مناسبات مختلفة بعيدة وليست مستمرة، حتى جاءت الجنادرية ودفعت هذا المفهوم الفني لمستوى مميز وجعلته منتظماً ومكرساً بشكل واضح، مع رُقي في مفهوم الثقافة الفنية وتخليد للتراث في كل المناطق، وذلك تحت إشراف المسؤولين عن مهرجان الجنادية بقيادة وزير الدولة ووزير الحرس الوطني صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز "حفظه الله". كان "مولد أمة" خير دليل على إضافة هذا المبدأ في تربية العمل الموسيقي الوطني، بعد أن ألهب القلوب في أول أوبريت غنائي سعودي بين طلال مداح –رحمه الله– ومحمد عبده. في تلك الفترة، وقبل خمسة وعشرين عاماً، ابتدأت الجنادرية في ترسيخ هذا المفهوم وأصبح للأغنية الوطنية وقع خاص عند الناس وباتوا ينتظرون صدور أوبريتاتها كل سنة. أخذت الجنادرية والحرس الوطني موقعاً مميزاً في سجلات تاريخ الأغنية الوطنية، وتمكنت من تقديم الأغنية الوطنية بقالب فني بديع محملاً بالتراث والقيمة الفنية التي تحاور الانثروبولوجيا في جميع مناطق المملكة، وابتدأ الشعراء والملحنون في سباق لتقديم القصائد والألحان ذات الجودة العالية التي تلائم طموح مهرجان الجنادرية والفكرة التي ابتكر من أجلها. وتستعرض الجنادرية في أعمالها الوطنية كل ما هو مواكب للحركة السياسية والاجتماعية وإبرازاً للولاء والحب بين القيادة والشعب. تجلى ذلك في أوبريت "وقفة حق" الذي جاء مواكباً لما بعد حرب الخليج وتطهير الكويت من الغزو العراقي. ثم أوبريت "أرض الرسالات والبطولات" في العام 1413 والذي قدم تأكيداً لمكانة المملكة على المستوى العالمي وتعريفاً بها كأرض للرسالة المحمدية وأرض للبطولات التي تحققت على يدي المؤسس والموحد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن طيب الله ثراه. وتبعه أوبريتات "التوحيد" و"دولة ورجال" و"عرايس المملكة" و"كفاح أجيال" وغيرها، هذه الأوبريتات خلقت نوعاً من التنافس بين القيم الشعرية واللحنية وبات لدى الملحنين والشعراء طموح للوصول إلى مكانة أوبريت المهرجان، هناك تمثل لهم القيمة والتكريم والقدرة وتخليد الاسم. ويأتي في مقدمة مبدعي الأوبريت الأمير خالد الفيصل والأمير بدر بن عبدالمحسن والأمير سعود بن عبدالله ود. غازي القصيبي رحمه الله وإبراهيم خفاجي والملحنون كصالح الشهري – رحمه الله - وعبدالرب إدريس ومحمد شفيق وسراج عمر وخالد العليان وغيرهم. لقد أسهمت الجنادرية في تأسيس ذائقة للناس وتطوير العمل الفني الوطني، وهناك العديد من الأوبريتات على مدى ربع قرن خُلدت في افتتاح مهرجان الجنادرية لتكون منظومة مستمرة تكاملية في العمل الفني المحاط بالتراث والتجديد، "كتاب مجد بلادنا – ملحمة فارس التوحيد – أمجاد الموحد – خليج الخير- أنشودة العروبة"، كل واحدة من هذه العناوين تحمل قيمة فنية تتحدث عن أمور عدة منها السياسية والمجتمع والاقتصاد، على المستوى الداخلي أو عن منظومة الخليج العربي والوضع العربي والدولي بشكل عام. ويمكن القول ان الجنادرية كانت أهم محطة في تاريخ الأغنية الوطنية، فمنذ انطلاق أول أوبريت عام 1410، أصبح للأغنية الوطنية جمهور كبير ينتظر جديدها أولاً بأول، وهذا لم يحصل من قبل إطلاقاً. هذا الاهتمام الشعبي ولّد غيرة لدى صناع الأغنية للتنافس في تقديم الأوبريتات المتطورة والأعمال الوطنية المستمرة ليزيدوا من حجم أرشيف الغناء الوطني. أوبريتات "خيول الفجر – عرين الأسد – وطن المجد – وفاء وبيعة – أرض المحبة والسلام – عهد الخير" تؤكد هذه الحقيقة كما أنها دليل مهم على قوة الإنتاج في الحرس الوطني ومهرجان التراث والثقافة. وجاءت أوبريتات "وطن الشموس ووحدة وطن وفرحة وطن وقبلة النور وكوكب الأرض" لترسم قدرة إدارة المهرجان على التنويع والتطوير والمواكبة، وعلى تطوير المشهد الغنائي السعودي بشكل عام, وهي بذلك تكون صاحبة الفضل الأول في استمرار الأغنية الوطنية وفي تطورها ونموها خلال الخمس وعشرين سنة الماضية. ونستطيع بسهولة أن ندرك القيمة الفنية العظيمة التي جاء بها مهرجان الجنادرية لو تخيلنا فقط أن أوبريت "مولد أمة" لم يظهر حتى الآن. طلال مداح محمد عبده محمد شفيق إبراهيم خفاجي