لا تقتصر أهمية الدور التاريخي للملك عبدالعزيز-طيب الله ثراه- على توحيده المملكة العربية السعودية وتحويلها من منطقة تتناوشها الاختلافات والفرقة وعدم الاستقرار إلى كيان صلب متماسك بات مضرباً للوحدة الراسخة والتلاحم اللافت الذي يربط بين الوطن وأبنائه، فقد تجاوز دوره إلى مد جذور العلاقات العربية سعياً نحو وحدة عربية راسخة. فالقائد المؤسس يدرك المتتبع لتاريخه جهوده الكبرى في توحيد الصف العربي ورأب ما انصدع منه وإزالة كل ما يحول دون الوحدة العربية التي تعني الاتفاق على كل ما يخدم الأمة العربية ويعلي من شأنها ويسهم في رفع الظلم عن شعوبها. ووفقاً لإصدار حديث عن "دارة الملك عبدالعزيز" بعنوان "لقاء رضوى" وأثره على الأوضاع السياسية في العالم العربي وهو عبارة عن دراسة تاريخية قدمها البروفيسور خليفة بن عبدالرحمن المسعود استعرض فيها هذا الدور الكبير للملك المؤسس لفت فيه إلى ما كان يتمتع به هذا القائد الملهم من بصر ثاقب وما كان يستكن في عميق وجدانه من إيمان راسخ أن الوحدة العربية قرار مصيري وحتمي ولهذا سعى بكل جهوده الحثيثة لمد جذور العلاقات العربية سعياً نحو هذه الوحدة كما مدَّ-رحمه الله- يد الأخوّة النقية لجميع إخوانه رؤساء الدول العربية وملوكها يحثهم جميعاً على الوقوف صفاً واحداً ويدعوهم إلى نبذ الفرقة والاعتصام بحبل الله المتين واستشعار المسؤولية التي يمليها عليهم ما تمر به المنطقة من أوضاع متغيرة واعتداءات متكررة على الحقوق العربية. ودلّل الباحث في دراسته على هذا الدور المؤثر والقوي للملك المؤسس وأثره على المستوى العربي بهذه الدراسة التي اختصت بلقاء "رضوى" مؤكداً من خلاله محورية هذا الدور ونتائجه التي تنعكس على الأوضاع العربية التي كانت شغله الشاغل. وبين المسعود أن العلاقات السعودية المصرية كانت قد أخذت جانباً مهماً من عناية الملك عبدالعزيز واهتمامه الوثيق بها يقيناً منه -رحمه الله- بالقيمة الكبرى لهذه الدولة الشقيقة وما ينتظر منها من أثر جوهري في خدمة باقي القضايا العربية المصيرية ورأب الصدع العربي وتوحيد الصفوف وتقريب وجهات النظر بينها. وقد تناولت الدراسة فكرة اللقاء وموقف القُوى الكبرى من اللقاء وكذلك استعدادات المملكة العربية السعودية له وكذا نتائج مباحثاته والآثار المترتبة عليه والأصداء التي صاحبته. اللقاء كان تاريخياً جمع بين الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- بالملك فاروق سنة 1364ه/1945م في المنطقة التي بين مدينة ينبع وجبل رضوى غرب المملكة العربية السعودية ويبين أثره في توطيد العلاقات الأخوية بين السعودية ومصر وما نتج من دعم للوحدة العربية والقضية الفلسطينية ويوضح منشأ فكرة اللقاء وموقف القوى الكبرى في ذلك الوقت وجهود الملك عبدالعزيز في الإعداد له وحرصه على إنجاحه ويعدد الآثار المترتبة عليه ويشير إلى أصدائه الإيجابية على الصعيد العربي والعالمي. ويكتسب هذا اللقاء بين الزعيمين الكبيرين الملك عبدالعزيز والملك فاروق من المتابعة الدولية له فقد أورد الكاتب في ثنايا الدراسة أن المسؤولين البريطانيين سعوا في جدة لمتابعة أمر اللقاء وبرنامجه من خلال برقية سرية جداً من إيلسون في المفوضية البريطانية في جدة إلى وزارة خارجيته في الثامن من أكتوبر أوضح من خلالها أنه قد بذل مساعيه لمعرفة ما يمكن حول اللقاء وأنه علم من الملك عبدالعزيز أن يوسف ياسين قام عبر رحلات متكررة إلى القاهرة بنقل وجهة نظره للملك فاروق مقترحاً أن يكون اللقاء في الرياض كما أكد إيلسون إصرار الملك فاروق على سرية اللقاء وعدم الكشف عن أهدافه وأن الملك عبدالعزيز يوافقه الرأي في ذلك الأمر مع رغبته في إطلاع بريطانيا على فكرة اللقاء لصداقتها للطرفين دون إيضاح لأهدافه. زيارة تاريخية تؤسس لمتانة العلاقات السعودية - المصرية.. ومعونة سنوية قدرها مليون جنيه إسترليني لمصر ولم تكن الولاياتالمتحدةالأمريكية أقل اهتماماً من بريطانيا بأمر اللقاء وما ذاك إلا لرغبتها في متابعة كل ما يجد من أحداث سياسية متعلقة بشبه الجزيرة العربية خصوصاً بعد أن بدأت في أداء دور سياسي في المنطقة في مرحلة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية وما صاحب ذلك من إرسال لجنة كنج كراين سنة 1339ه/1919م إلى الشرق الأوسط للتعرف على رأي شعب سوريا وفلسطين حول تقرير مصيره طبقاً لمبادئ الرئيس الأمريكي ويلسون ثم تزايد الظهور الأمريكي في الشرق الأوسط بعد الحصول على امتيازات للتنقيب عن البترول في المنطقة مع مطلع الثلاثينات من القرن العشرين حيث توقفت العلاقات الأمريكية مع دول المنطقة فاعترفت الولاياتالمتحدةالأمريكية بالمملكة العربية السعودية اعترافاً كاملاً في ذي الحجة 1349ه/1931م وتم توقيع اتفاق خاص بالتمثيل القنصلي بين البلدين في جمادى الآخرة 1352ه/نوفمبر1933م. ويلفت الباحث إلى أن الاهتمام الأمريكي بلقاء رضوى لم يصحبه إلمام كبير بأهداف اللقاء وجدول أعماله بل كانت المعلومات الأمريكية بهذا الشأن مستقاة من المسؤولين البريطانيين. ما تقدم من شواهد ومعلومات تؤكد أهمية هذا اللقاء ودوره ونتائجه على المنطقة برمتها. وبعد استعراض مطول من الباحث عن هذا اللقاء يفيدنا أن الزيارة لم تنحصر في برنامج محدد إذ ترك الملك عبدالعزيز حرية تحديد البرنامج لضيفه الملك فاروق واصفاً إياه ب"صاحب المنزل" ومما لا شك فيه أن هذه الخطوة تعكس رغبة الملك عبدالعزيز في إكرام ضيفه وتوفير الراحة النفسية والعملية له بعيداً عن البروتوكولات الرسمية مما أتاح الفرصة لإضافة طابع التلقائية والشفافية في التعامل بين الجانبين وهو مما يسهم في تحقيق الأهداف المتوخاة من هذا اللقاء. برقية الملك فاروق للمؤسس: لقاؤنا عهد جديد مجيد للأمة العربية ورخاء واستقلال وعز وفي لمحة تؤكد أهمية الزيارة يورد الباحث برقية للملك فاروق بعد عودته إلى بلاده حيث بعث ببرقية تمنى فيها أن تكون هذه الزيارة "فاتحة عهد جديد مجيد للأمة العربية وعهد رخاء واستقلال وعز وباكورة زيارات تتجدد وتتكرر على مرور الأيام يزداد فيها الود ويدعم بها التعاون المستمر خير البلاد العربية المستقلة والبلاد العربية المجاهدة لاستقلالها..". ومضى الباحث في استعراض اللقاء وأهميته لافتاً إلى أن اللقاء اتصف بالحميمية والود مشيراً فيه إلى أن جوردان نقلاً عن الملك عبدالعزيز أن المباحثات تطرقت لموضوع الاحتلال الفرنسي لسوريا وأن الملك عبدالعزيز حمّل الملك فاروق نصيحة إلى الرئيس السوري شكري القوتلي بضرورة التفاهم مع فرنسا للوصول إلى اتفاق حول هذا الأمر وأخيراً ذكر جوردان أن الملك عبدالعزيز وضيفه اتفقا في رضوى على تبادل الرأي والمشورة بحرّيّة كاملة في كل ما يخص الشأن العربي. ومن المهم الإشارة أنه تبعاً لتطور العلاقات بين المملكة العربية السعودية ومصر بعد هذا اللقاء فقد كانت المملكة من أكبر الدول تأييداً لمصر ودعم مسيرتها سياسياً منذ ذلك اللقاء حيث ابتدأ الملك عبدالعزيز دعمه لمصر بعد عام من اللقاء كما أعلن خلال زيارته الرسمية لها سنة 1365ه/1946م بمعونة سنوية قدرها مليون جنيه إسترليني. الملك عبدالعزيز والملك فاروق في الموكب الملكي في القاهرة الملك عبدالعزيز والسير كوكس مع الشيخ خزعل أمير المحمرة، البصرة الملك عبدالعزيز والسير ونستون تشرشل في مأدبة رسمية الملك عبدالعزيز والرئيس فرانكلين روزفلت يتبادلان الحديث على ظهر الفرقاطة كوينزي 1945 الملك عبدالعزيز مع مردم بك والوفد السوري بالقرب من الطائف 1934 الملك عبدالعزيز في أول زيارة رسمية له خارج المملكة حيث كان في استقباله في البصرة السير كوكس في 1916م