لجأت وزارة الصحة مؤخراً إلى أرامكو لحل معضلة مشاريعها المتعثرة، بعد أن استعصى عليها علاجها، جاء ذلك في تقديري على قاعدة آخر الدواء الكي. في ظل ذلك الفشل الذريع والمزمن في حل مشكلة آليات المناقصات الحكومية التي لا تزال تتوقف عند سقف "العطاء الأقل"، مما وضع الكثير من المشاريع الحيوية بأيدي مؤسسات وشركات هزيلة فنياً، وغير مؤهلة، وغير قادرة على الوفاء بالتزاماتها، لأنها مبنية في الأساس على منهجية البحث عن الربح السريع وبأي ثمن، يُضاف إلى ذلك تلك الخروق المتعددة التي أُصيب بها هذا النظام منذ زمن بعيد، وأهمها مقاول الباطن، الذي لم يعد باطنياً كما قد يوحي اسمه، بعد أن صار يُعلن عنه في الصحف كما يُعلن عن مسلسل جديد من بطولة مهند ولميس، وعلى أعين الجميع. أرامكو شركة عملاقة في مجال النفط، تحتفظ لنفسها بمعايير جودة عالمية في مختلف أعمالها ونشاطاتها، هذا شيء متفق عليه، والتكليفات التي أُسندتْ إليها خارج نطاق مجالها مثل كاوست ومدينة الملك عبدالله الرياضية وغيرها، أثبتت قدرة الشركة على اللعب بمهارة خارج أرضها، وأمام جمهور غير جمهورها، وكسب النتيجة بتفوق، ودون معونة أيّ حكم، الأمر الذي استدعى تكليفها ببناء "الاستادات" الرياضية الجديدة، لكن إلى أي مدى سنظل نعتمد على أرامكو في إنقاذ غرقى المشاريع، واستعجال ما نريد إنجازه دون الوقوع في أخطاء مقاولات شركات الغفلة؟، ثم ألا يؤثر هذا التوجه على قدرات الشركة في أداء مهامها الأصلية؟، وإلى متى سنظل نستخدم أرامكو كمسمار كي لتطبيب قروح المقاولات المتعثرة والمتقيحة؟. هذه تساؤلات مطروحة، توحي بشكل أو بآخر أننا سلمنا بأنه لا يوجد أي علاج لمداواة نظام المناقصات العليل، وجلّ ما نستطيع أن نفعله معه أن نتجرع كل ما يأتي منه بعلله، وحين تستعر في أطرافه حمّى التعثر، نغطيه، ونهدهده، ونبلل منشفة بالماء البارد وبعض الكالونيا لنضعها على جبينه، ونشد الرحال إلى أرامكو لتسخّن مسمارها لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه. لماذا لا نعود إلى نظام المناقصات نفسه، ونعيد قراءته بشكل موضوعي ومهني واحترافي؟، لماذا لا نعيد تصنيف مؤسسات وشركات المقاولات بناء على معطيات فنية وتخصصية لا تتيح المجال، وتفتح الباب لمؤسسة مغمورة جلبت عمالتها الأمية من أرياف شرق آسيا دونما أي خبرة أو مهارة لتتعلم في مشاريعنا التي تُعتمد لها آلاف الملايين، إما لتنفذها بأردأ المواصفات، أو تأخذها إلى طابور التعثر الطويل الذي لم تسلم من الوقوف فيه منطقة واحدة على مستوى الوطن، نتحدث عمّا يزيد عن التريليون، هل هي مهمة مستحيلة؟، ولا أريد أن أسيء الظن لأتساءل ما إذا كان هنالك من يستفيد من بقاء الوضع على ما هو عليه. في معظم دول العالم لا يوجد مشروع متعثر إلا بسبب نقص أو شح التمويل، في حين أننا نجد وهذا مؤسف حقاً العشرات بل المئات من المشاريع المتعثرة في أغلب مدننا ومحافظاتنا، وحين نفتش عن السبب الرئيس نجد أنه يتصل بضعف المقاول وقلة كفاءته، وما يُنجز منها يلزم أن يوضع على لائحة الترميم في العام التالي! الزميل علي الموسى اقترح في مداخلة تليفزيونية أن تتبنى أرامكو إنشاء جامعة لإدارة المشاريع تعمل على نقل خبراتها في تنفيذ المشاريع وإدارتها إلى جيل من المديرين الجدد، وأنا أضيف اقتراحاً آخر وهو أن تتولى أرامكو عوضاً عن زجها في كل هذه المشاريع دراسة ملف التعثر، وبناء خطة عمل لمعالجة أسبابه وتصويب نظام المناقصات من جذوره، طالما أن هذا الملف تمزق بين أيدي لجان الشورى دون أن تصل به إلى أي نتيجة.