رغم الجهود الجبارة التي تبذلها "وزارة التجارة" و"الجمارك" و"هيئة المواصفات والمقاييس" في محاربة السلع المغشوشة والمقلدة والتصدي لها، وحماية المستهلك منها ومن جشع بعض التجار، إلاَّ أنَّ هذه السلع ما تزال متداولة في السوق المحلي بشكل غير مسبوق، خاصةً في مجال الملبوسات، والأدوات الكهربائية (الأفياش، الإنارة، التوصيلات)، ولعب الأطفال، ومستحضرات التجميل، الأمر الذي يطرح تساؤلاً عن كيفية دخول هذه البضائع ووصولها إلى المستهلك رغم الإجراءات المشددة التي تتخذها الجهات المعنية، إلى جانب وجود حملات تفتيشية تنفذها "وزارة التجارة" بين الحين والآخر؟. وأكَّد مختصون على أنَّ ذلك يعود إلى ضعف الوسائل الرقابية، إلى جانب وجود العديد من الأسواق غير النظامية التي تكون بعيدة عن أعين الرقيب، إلى جانب ضعف الوعي الاستهلاكي لدى بعض أفراد المجتمع في البحث عن الرخيص دائماً، وعدم وجود "كود" معين للمنتج المطابق للمواصفات في السوق، مضيفين أنَّ هناك حرباً تُشن على التاجر النزيه الذي يتحلّى بالوطنية ويُقدِّم بضاعة ذات جودة عالية وغير مقلدة أو مغشوشة، مشيرين إلى استخدام البعض وسائل التواصل الاجتماعي للإضرار بذلك التاجر النزيه، وعكس الحقائق في أعين المستهلكين، مشددين على ضرورة إيقاف استيراد السلع المغشوشة والمقلدة التي تأتي غالباً من "الصين" -رغم الاتفاق الأخير-، وكذلك تطوير العمل الرقابي، وتعزيز شراكة المواطن. سلع غير أصلية وقال "خالد الزاير" -خبير اقتصادي ورجل أعمال- إنَّ هناك جهات تجارية تُقدِّم سلعتها على أنَّها أصلية، بيد أنَّ واقع الحال يشير إلى عكس ذلك، مُشدِّداً على ضرورة تطوير العمل الرقابي وفق رؤية تُسهم فيها "وزارة التجارة" والجهات الرقابية الأخرى، مثل: "الجمارك" و"هيئة المواصفات والمقاييس"، موضحاً أنَّ جهل أو تساهل بعض الكوادر الرقابية يمثّل جزءاً من المشكلة؛ إذ يوجد كوادر لا يفرّقون بين ما هو أصلي وما هو غير أصلي في السوق. وأضاف أنَّ هذا هو ما نشهده في مجال الإنارة مثلاً، إذ يتم تمرير بعضها على أنَّها أصلية، بيد أنَّها ليست كذلك، مُبيِّناً أنَّه وجد خلال بحثه عن الاستثمار في مجال إطارات السيارات أنَّ كثيراً مما يقوله بعض المستثمرين في هذا السوق يدل على أنَّ الإطارات أصلية، ولكن الواقع أن معظمها غير أصلية، ومع ذلك يبيعونها، مؤكداً على أنَّ هذا الجانب يحتاج لرقابة شديدة وصارمة؛ كي يستفيد المستهلك الذي يشتري السلعة في أحيان كثيرة من دون أن يلتفت لجودتها، إلاَّ بعد أن يدفع كامل المبلغ، ومن ثمَّ تبدأ السلعة في إظهار عيوبها، لأنَّها تقليد لسلعة أصلية. وأشار إلى أنَّ الأسواق غير النظامية تعد أهم روافد بيع السلع المقلدة؛ كونها بعيدة عن أعين الرقابة، موضحاً أنَّ المطلوب في هذه الحالة الوقوف على تلك الأسواق، خاصةً أنَّ بعضها مما يُعد مشهوراً وواضحاً، ومع ذلك فإنَّه لا أحد من مفتشي الرقابة يصل لها ويوقف السلع المغشوشة أو المقلدة التي يتم استهلاكها على أساس أنَّها أصلية وتباع بثمن الأصلية، داعياً إلى إصدار قرارات حاسمة وصارمة تجاه تلك الأسواق التي يباع فيها مثلاً "الأفياش والتوصيلات" المُقلدة المُضرة بسلامة الناس. كود المطابقة وبيَّن "عبدالله الغنّام" –خبير اقتصادي، ومستثمر في صناعة الحديد- أنَّ هناك غش منتشر في السوق، مُضيفاً أنَّه بدأ يستفحل بسبب غياب الدور الرقابي الذي من المفترض أن تؤديه "وزارة التجارة"، مستدركاً أنَّه توجد طلعات ميدانية للمراقبين، بيد أنَّها ليست كافية، مُشيراً إلى أنَّ هناك غشا في مجال مواد البناء، إذ تباع أصناف بعينها على أنَّها أصلية وبسعر الأصلي، كما أنَّه يتم بيع حديد أقل سماكة بسعر حديد أجود وأكثر سماكة، داعياً إلى تكثيف الجولات الرقابية الميدانية، إلى جانب وضع مقاييس ومعايير تجبر الجميع على عدم تجاوز جودة المنتج، خاصةً أنَّ الغش في مواد البناء قد يؤدي إلى الموت!. وقال:"إذا كان نحو (58%) من المواد الكهربائية في السوق مغشوشة -بحسب هيئة المواصفات والمقاييس-؛ فإنَّ هناك سلعاً أخرى تجاوزت هذا الرقم، خاصة في مواد البناء، وربما في إطارات السيارات"، مشيراً إلى أنَّ الكثير يتحدث عن وجود سلع صينية مغشوشة، ومع ذلك فإنَّه يوجد في "الصين" سلع جيدة وأخرى رديئة، وبالتالي فإنَّه لابد من إيقاف استيراد الرديء، مقترحاً توحيد السلع الأصلية برمز "كود" معين، على أن يتم التدقيق في المنتج المستورد، فإن كان مطابقاً للمواصفات يُمنح كوداً، وهكذا. محاربة التاجر النزيه وأضاف "الغنّام" أنَّ هناك حرباً تُشن على التجار الذين يتحلون بالنزاهة والوطنية ويقدّمون بضاعة ذات جودة عالية، موضحاً أنَّ البعض يستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لعكس الحقائق في أعين الزبائن، وتشويه المنتجات الأصلية، مثل أن يقول سعرها مرتفع أو أنَّها مقلدة، مُبيِّناً أنَّ هناك تجاراً أفلسوا بسبب هذه الحروب، موضحاً:"أعرف عدداً من التجار أعلنوا إفلاسهم بسبب الحرب التي شُنت عليهم، لأنَّهم يُقدمون بضاعة ذات جودة عالية"، مطالباً بتكاتف رجال الأعمال المؤمنين بأهمية دورة الاقتصاد الوطني -وهم كُثر- للتصدي لمن يتلاعب بالسوق ويُدخل البضاعة المغشوشة بطرق ملتوية في أحيان كثيرة، مؤكداً على أنَّ هناك خطوات إصلاحية لابد من تنفيذها. وأشار إلى أنَّ هناك حاجة لحملة وطنية واسعة شبيهة بحملة تصحيح أوضاع العمالة -التي أسهمت في تنظيم السوق- بشكل واقعي، مؤكداً على أنَّ وجود هذه الحملة سيسهم في الحد من التلاعب بالاقتصاد، ويحمي المستهلك من الوقوع في يد شريحة من التجار لا يهمها غير الربح السريع، مضيفاً أنَّ على أصحاب القرار في هذا الشأن أن يتدارسوا كيفية تقوية المنتج المحلي، لافتاً إلى أنَّ ذلك سيضمن أن تكون هناك جودة في التصنيع، مشيراً إلى أنَّ هناك أمثلة كثيرة على نجاح المنتجات المحلية، مُبيِّناً أنَّ ذلك سيجعل صاحب السلعة داخل "المملكة" يضطر لإنتاج سلع قوية ينافس فيها السلع العالمية ذات الجودة العالية، موضحاً أنَّ هذه قاعدة مهمة يمكن العمل وفقها؛ لأنَّ مخالفها سيجد نفسه خارج السوق المفترضة، التي تحمل المقاييس والمعايير الصارمة ضمن رؤية محددة وقوية. وزارة التجارة وقال "سالم باعجاجة" –خبير اقتصادي-:"تحتاج إجراءات الرقابة التي تؤديها وزارة التجارة لتعديل وتطوير؛ إذ نحتاج لكفاءات تدير عملية الرقابة"، مُضيفاً أنَّ الخلل يكمن في عدم التوعية الخاصة بالتاجر والمستهلك، مشيراً إلى أنَّه لا يتم توعيه التاجر بمخاطر ما يُقدم عليه من بيع سلع مغشوشة أو مقلدة، كما أنَّ المستهلك يشتري دون وعي متأثراً بأساليب الدعاية والإعلان. وأضاف أنَّه من الضروري إيقاف السلع المغشوشة والمقلدة التي تأتي غالباً من "الصين"، كما لابُدَّ من وجود اتفاقيات في هذا الشأن، وتفعيلها لمنع دخول أيّ بضائع مقلدة أو مغشوشة؛ حفاظاً على السوق والمستهلك فيه. توعية المستهلك وأشار "عبدالرحيم نقي" -أمين عام اتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي- إلى أنَّ اللجان الخاصة باتحاد الغرف موجودة مع اللجان الوطنية التي تكافح السلع المغشوشة، وذلك على مستوى دول الخليج، مشدداً على أهمية مشاركة القطاع الخاص في مكافحة السلع المغشوشة، إذ إنَّ الأصل في رجل الأعمال في دول الخليج أنَّه إنسان وطني، داعياً إلى تفعيل دور القطاع الخاص، والأخذ برأيه. وقال إنَّ القطاع الخاص يؤمن بشكل قطعي بمحاربة الغش في السلع، كما أنَّ رجل الأعمال لا يقبل بالغش على بلده، ويعتبر نفسه شريكا في تنمية الوطن، مُضيفاً أنَّ هناك حاجة لتفعيل قرارات مكافحة الغش في السلع، مشيراً إلى أنَّه من المهم أن يتم بث الوعي في المستهلك، وتفعيل الأدوار الرقابية، الأمر الذي يجعلنا نصل لصنع ثقافة صارمة تحارب الغش التجاري.