أكد خبيران اقتصاديان أن إغراق أسواق مواد البناء بالسلع المغشوشة والمقلدة يعتبر تجاوزا خطيرا من قبل بعض التجار الذين سمحوا لأنفسهم بتوفير هذه السلع وجعلها في متناول ضعاف النفوس من المقاولين، الذين يتولون عملية تأمين مواد البناء لمصلحة العميل. فيما تتسارع المطالب بتصنيف مواد البناء وإخضاعها للمواصفات والمقاييس السعودية، إلى جانب التشدد في تطبيق كود البناء، وذلك للحفاظ على جودة المباني وعدم تعرضها للمخاطر والتلف. وقال المستشار الاقتصادي مدير مركز التنمية والتطوير للاستشارات الاقتصادية الدكتور علي بوخمسين في تصريح إلى "الوطن" إن هناك مطالب جار مناقشتها حالياً لإضافة حوالي 200 مادة رئيسة تدخل في عملية البناء بحيث يتم التحقق من مواصفاتها قبل السماح بإدخالها للسوق، وينطبق الأمر كذلك على عملية تصنيعها داخلياً. وعن سبب اللجوء إلى تلك المواد المغشوشة، قال بوخمسين إن هدف تقليل التكلفة جعل بعض المستثمرين العقاريين يلجأون لسوق مواد البناء المغشوشة لبعض الأصناف ذات التكلفة العالية مثل مواد الكهرباء والأسلاك الكهربائية والحديد المسلح والسيراميك والمواد الصحية، وغيرها من المواد الكثيرة التي تتطلبها عملية التشطيب. وعن أبرز العوامل لظهور تلك المواد، أشار بو خمسين إلى انتشار المقاولين من العمالة الوافدة التي لا يهمها إلا تعظيم مكاسبها دون أي وازع أو رقيب، وكذلك التجار الذين يستوردون هذه السلع المغشوشة والمقلدة، وضعف عملية التفتيش الجمركي بما يسمح بدخول كميات هائلة منها للسوق. وأوضح أن إحدى الدراسات الميدانية تبين أنه توجد بالسوق السعودي نسب عالية من المواد المغشوشة تتراوح بين 45%-60%، أغلبها في المواد الكهربائية، فيما تنخفض النسبة ضمن قطاع البلوك. ويتركز رصد وجود المواد في جدة، ثم الرياض، وبعدها المنطقة الشرقية. وعن أسباب عدم تطبيق كود البناء، أوضح بو خمسين أن كود مواد البناء جديد على السوق السعودي، وهو لم يعمل به غالباً ولم يعمم بشكل إلزامي للدوائر الحكومية كافة ذات العلاقة لفرضه على المواد المستوردة المستخدمة في المباني الحكومية وغيرها من القطاع الخاص. وعن الآلية المقترحة لمواجهة هذه المشكلة، شدد بو خمسين على وضع استراتيجية شاملة تأخذ بالحسبان مسببات هذه المشكلة والجهات الحكومية، التي تقع عليها مسؤولية مراقبتها ومنعها من الدخول للبلد والجهات المعنية بتصنيفها بالشكل الكامل بكل أصنافها ليسهل التعرف عليها ورفض قبولها أو استخدامها في أعمال بناء، مؤكدا على ضرورة وضع نظام صارم يجرّم استخدام أي مواد بناء مقلدة، حتى لو لم تسبب ضررا مباشرا أو كبيرا، ولكن اعتبار أن مجرد استخدامها يعاقب عليه القانون، وأن لا تفسح أي شحنة بضائع مواد بناء إلا بعد حصولها على موافقة هيئة المقاييس بعد تحليل بعض عيناتها للتحقق من سلامتها، وكذلك فرض غرامات مالية مشددة على كل من يبيع هذه المواد لمحاربة انتشارها بالأسواق حفاظاً على أرواح وممتلكات العامة. من جانبه، قال الخبير الاقتصادي الدكتور صلاح الشلهوب في تصريح إلى "الوطن" إن انتشار مواد البناء المغشوشة والمقلدة له آثار خطيرة جداً في بناء المساكن والشقق، وخصوصاً فيما يتعلق بالكهرباء وتسربات في المياه مما يؤدي إلى تهالك مبكر للمبنى وهذا الغش يكون أثره على المشتري. وعن أبرز العوامل التي ساهمت في انتشار المواد المغشوشة، أشار الشلهوب إلى عدة عوامل، منها ضعف الوازع الأخلاقي والديني لبعض التجار الذين يحرصون على الربح السريع، وعدم فحص السلع المستورة بأدوات متطورة عالية الكفاءة قادرة على اكتشاف الغش في هذه السلع. وأضاف الشلهوب أن أدوات الغش تطورت بشكل كبير في بعض السلع المستوردة، وفاقم ذلك ضعف فاعلية المتابعة والرقابة داخل الأسواق، مما جعل بعض التجار يتساهل في نوع السلع وضعف كفاءة وقدرة المراقبين في اكتشاف الغش التجاري في مثل هذه السلع الكثيرة والمتنوعة وضعف الوعي والمعرفة لدى المستهلك في اختيار السلع الجيدة والمناسبة والتعامل مع التجار الموثوقين وارتفاع الأسعار بشكل كبير.