ثمة أزمات فكرية تعيشها الأمة الإسلامية من طنجة إلى جاكرتا وهذه الأزمة انبثقت بسبب الخطاب الديني المعاصر وما حواه من مثالب وهنات..ولعل من أهم هذه الأسباب هو أنه لا يوجد تراكم معرفي وفكري عند الذين يتصدون للخطاب الديني المعاصر. إن غياب هذا التراكم المعرفي قد أفضى إلى قصور في الأطروحات الدينية لا يمكن أن نغض الطرف عنها، فمثل هذه الأطروحات هي أطروحات غير ناضجة قد طوحت بكثير من شباب الأمة إلى خارج مراد الله من دينه. إن الأفكار الدينية المعاصرة التي يُروج لها كثير من الدعاة والوعاظ بحاجة إلى إعادة نظر وتأطير في مضامينها حتى تؤتي أكلها.. وقبل أن استفيض في هذا الموضوع فإني أحترم تلك النيات والمقاصد التي ما من وراء أصحابها إلا رفعة هذا الدين وعلو كعبه، ولكن حسن النية وسلامة القصد أحياناً لا يكفيان بل لابد مع حسن النية أن يردف معهما فكر خلاق يتدثر بعباءة قول الله تعالى ويتماس مع قول رسوله صلى الله عليه وسلم ليس إلا- وأن أي طرح ديني لا يتدثر بهذه العباءة فإن قدمه ستزل ولا شك وأن أطروحاته هشة لا تصمد أمام معضلات الأمور. إن الخطاب الديني المعاصر قد أنكفأ على غير هذه المصادر وأقصد بها كتاب الله وسنة رسوله. وحينما أقول إنه قد ابتعد عن هذه المصادر فإني لا أقصد بهذا الابتعاد البعد المادي وإنما أقصد به البعد المعنوي، وهو الذي يجب التعويل عليه في فهم مراد الله ومراد رسوله..إذاً فكثيراً ممن تصدوا في الخطاب الديني المعاصر لم يتماسوا مع مضامين هذا الدين ومع مصادره المتينة وإنما كانوا يحومون حولها أو أنهم قد اشتغلوا بغيرها! إن دين الله حتى نستقي منه مضامينه لابد أن نأتي إليه بقوة وهي القوة المعنوية قال تعالى (خذوا ما آتيناكم بقوة ) وعوداً على بدء إن عدم التراكم المعرفي الطويل والاستناد إلى تلك المصادر المتينة أدى إلى ضعف الخطاب الديني المعاصر. فقد أتى على شكل طفرات فكرية قد تفوت على صاحبه الشيء الكثير. إن النصوص الشرعية بين سطورها أشياء كثيرة لا يعرفها إلا من عرف مقاصد الشارع الحكيم عن كثب عبر وسائل فقهية معروفة.. ما أود قوله هو أن الخطاب الديني المعاصر اليوم قد ركب صهوة مصادر غير متينة انبثقت من رأي هذا الشخص أو ذاك عبر ظروف زمنية مكانية قد تغيب اليوم. إن الخطاب الديني المعاصر لم يستطع فهم النصوص الشرعية فهماً يخول صاحبه حتى يقع على مراد الشاعر الحكيم.. وسأضرب لكم مثالاً يبين صحة ما ذهبت إليه وهي حول فكرة الجهاد المادي إنه يعتقد كثير من أهل الإسلام المعاصرين أن الجهاد ضرورة إسلامية ومبتغى ديني لا مناص من خوضه حتى يستقيم أمر الإسلام !وهذا فهم خاطئ خر عليه السقف من فوقه فالجهاد في الإسلام وما فيه من قتال لغير أهل المسلمين هو شيء لا يحبذه الشارع الحكيم، وإنما يضطر إليه اضطراراً حسب الظروف المكانية والزمانية إذ لم يكن في الإسلام قتال اعتداء وابتداء البتة وكل قتال حصل في الإسلام هو لأن المسلمين اضطروا إليه اضطرارا بدءاً من معركة بدر الكبرى إلى الفتوحات الإسلامية على يد السلف الصالح.. إذا فما من معركة قتال دار رحاها بين الإسلام وأعدائه إلا سبقه اعتداء وتهديد من قبل الأعداء وأقرؤوا قول الله تعالى في وحيه الطاهر عبر آية محكمة حيث قال:(ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) إنه في هذا المقال لا يمكنني أن استفيض فأذهب وأذكر تلك النصوص الشرعية لأبين صحة ما ذهبت إليه.. إذا أحياناً لأهل الخطاب الديني المعاصر مراد لا يتفق مع مراد الشارع الحكيم !إن مراد الله تعالى لن نصل إليه إلا عبر بوابة الفهم الصحيح لنصوص الشارع الحكيم . فالأمة الإسلامية اليوم تجتر جملة من المشاكل والأزمات الفكرية كلها متأت من قصور في فهم مراد الله من نصوصه الحكيمة،إن الأمة الإسلامية تعيش اليوم أزمة أنكى من ذلك وهي تشويه هذا الإسلام وتشويه مضامينه السامية عبر هذه الاجتهادات الفردية التي تجانب الصواب.. وهي مسؤولة بكل ماتحمله هذه الكلمة من معنى عما يتعرض له الإسلام اليوم من ضعف وأنه قد توارى أمام الغير! إن شباب الأمة الإسلامية اليوم يعيشون أزمات فكرية وستعيشها الأجيال القادمة في الغد إذا لم يصحح المسار. إذاً إن انحراف شباب الأمة اليوم عن غاية الدين الإسلامي مسؤول عنه بالدرجة الأولى الخطاب الديني المعاصر وإلا فشبابنا ولدوا على الفطرة السليمة وإنما أبعدوا النجعة بسبب تلك الأطروحات الهزيلة الهشة التي لا تعبر عن مفهوم الدين الصحيح. إن علمائي الأفاضل -حفظهم الله تعالى- لاسيما في بلدي المملكة العربية السعودية قد حاربوا كل نشاز في هذا الطرح الإسلامي المعاصر بكل ما يملكون من وسائل فكرية عبر فهم واضح لصحيح الدين.. دمتم بحفظ الله ورعايته.