بادئ ذي بدء إن مقاصد ومضامين وأهداف الشريعة الإسلامية واضحة المعالم، نقترب من هذه المضامين أحيانا ونبتعد عنها أحيانا أخرى، فمتى ما كنا نضرب أطناب استنباطاتنا الشرعية حول تلك المصادر الأصلية فإننا والحالة هذه نقف على بغية الشارع الحكيم وإرادته، ومتى ابتعدنا عنها فإننا سوف نضل ونبعد النجعة لا محالة، إذا أردنا اليوم أن نزن الخطاب الديني المعاصر فإننا سنجده خطابا دينيا يكتنفه بعض المثالب والعيوب، لأن الخطاب الديني المعاصر يستقي أطروحاته وأفكاره من تلك الأشياء التي هي لم تقف بعد على مكنون الشارع الإسلامي، وإنما هي اجتهادات فردية محضة من هنا وهناك تصيب أحيانا وتخطئ أحيانا أخرى، ولكن الذي أخطأ آنذاك يكفيه أنه عصف بذهنه محاولا الوقوع على الصواب فهو معذور طالما أنه اجتهد - ولكننا اليوم غير معذورين حينما تتبعنا تلك الأطروحات السابقة وأخذناها بقضها وقضيضها وبعجرها وبجرها دون غربلة وتمحيص ودون وزنها بميزان الشريعة الإسلامية عبر بواباتها الصحيحة القرآن الكريم والسنة الشريفة، إن الارتماء في أحضان تلك الأطروحات التي ربما يتبرأ منها صاحبها فإننا سوف والحالة هذه نخرج بخطاب ديني معاصر مهلهل الثياب هش البنية لا يصمد أمام نوازل الزمان والمكان ومتغيراتهما، وإن من أسباب ضعف الخطاب الديني المعاصر اليوم هو أن من يقوم به اليوم أناس غير متضلعين بأحكام الشريعة الإسلامية، وإن التدثر بلباس الحماس المفرط وحده لا يفضي بنا إلى فكر نير خلاق، بل إن الحماس المفرط قد يكون عقبة كأداء أمام بغية الشارع الحكيم، إنه متى فُرغ الخطاب الديني المعاصر من الفهم العميق فإن المستمع لهذا الخطاب سيعيش في حيرة خانقة من أمره إذا وجد أنه لم يضف إلى سلمه المعرفي شيئاً يذكر وأنه لم يقف على أرض صلبة، إن الخطاب الديني المعاصر سرعان ما يخبو، لأنه يخلو من المضامين التي لا تتآكل ولا يأتي عليها التخريب والتقادم، ولكن الأمر عكس ذلك إن الخطاب الديني المعاصر هش يخلو من تلك المضامين التي تدلف بمن يستمع إليها إلى أفق أرحب وفكر نير خلاق.إن الخطاب الديني المعاصر نراه يقوم على الكم متجاهلا الكيف، وأنه طوح به بعيدا وهذا ما نشهده عبر الفضائيات وعلى درجات المنابر والمنتديات الدينية، واسمحوا لي أيها القراء الأعزاء أن أقول لكم لو كان الخطاب الديني المعاصر يتسم بطابع المتانة فإن المتتبع له سيجني ثماراً يانعة في حياته فضلاً عن مماته، وسيتشبثبه إذا سمعه- كم من شخص رأيته بالأمس يتتبع مظان وجود هذا الخطاب أنى وُجد ثم أراه اليوم يتنصل عنه ويتركه، ولكن لو كان الخطاب الديني المعاصر يتوكأ ويستقي أطروحاته ومفاهيمه من مقاصد الشريعة وغاياتها المبثوثة في مصادر الشريعة الإسلامية الأصلية لرأينا أن هذا الخطاب بواسطته سنجني منافع جمة تدلف بالأمة لا سيما ناشئتها إلى دروب التنوير والحكمة، التي تحصن ناشئتنا من مزالق الضلال والزيغ، إن الخطاب الديني المعاصر يجب أن يرتكز على قواعد صلبة وأن يكون قبل هذا وذاك لا يصادم الشريعة الإسلامية التي لا تصادر الطبيعة الإنسانية وغرائزها، وإن الدين الإسلامي الحنيف دين يتسم بطابع التوازن والشمول والكمال، وإن الدين الإسلامي دين يبقي التوازن قائماً عند الفرد قال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}. كما أني أذكر شيئا آخر على جانب من الأهمية بمكان، وهو أن الذين يقومون على هذا الخطاب الديني المعاصر نراهم أحيانا يسقطون أحوال الأمم الماضية على زماننا المعاصر رغم أن ذلك الزمان والمكان والبيئة هي أشياء تختلف عما نحن عليه اليوم!! ناهيكم أن بعض تلك الأمجاد السابقة التي سطرها التاريخ عن أسلافنا! إن ذلك الشاب الذي يرى نفسه لا تحيط به أمجاد ذاتية فإنه ينكفئ على نفسه عاجزاً عن التأقلم والتكيف مع محيط مجتمعه ومن ثم تولد لديه ردود أفعال منعكسة لا ترفع رأساً ولا تهدي ضالا.