انتشرت المدارس الأهلية الخاصة في السنوات الأخيرة بشكل لافت، إذ باتت تُمثِّل خياراً جيِّداً لدى كثير من المستثمرين، بعد أن أصبحت العديد من الأسر حريصة على تسجيل أبنائها في المدارس الخاصة؛ بحثاً عن رفع مستواهم الدراسي عبر حصولهم على تعليم جيِّد، حتى أن صاحب ذلك دفع مبالغ مالية كبيرة في السنة الواحدة، في الوقت الذي باتت فيه الرسوم الدراسية تصل في بعض المدارس إلى (40) ألف ريال في العام الدراسي الواحد، وربما أكثر من ذلك، فكلَّما تميزت المدرسة فيما تقدمه من إمكانات، كان هناك ارتفاع في أسعار رسومها الدراسية، وبالرغم من ذلك فإنَّ العديد من الطلاب والطالبات باتوا يتسربون من المدارس الحكومية إلى المدارس الخاصة. وفي مقابل ذلك وجدت المعلمة في المدارس الخاصة فرصة وظيفية تحمل طابع تخصصها الذي تحب أن تعمل به، خاصةً أنَّ التوظيف في هذه المدارس قائم على المقابلة الشخصية والتجربة الزمنية التي ستقرر مدى قبول تلك المعلمة من عدمه، ورغم مرور سنوات طويلة على تجربة التعليم الخاص في المملكة، إلاَّ أنَّ هناك جدلاً قائماً حول وجود العديد من الجوانب السلبيَّة في هذا النوع من التعليم مرتفع التكاليف، وهناك من يرى أنَّ قرار رفع رواتب المعلمات اللواتي يعملن في القطاع الخاص ربَّما حسَّن من أوضاعهن، بيد أنَّه لاتزال هناك كثير من الإشكالات القائمة في قطاع التعليم الخاص، إذ أنَّها تؤكد أنَّه لم يُقدَّم بجودة عالية، كما أنَّه إن حدث ذلك فإنَّه يتم بشكل محدود جداً، حتى باتت كثير من المعلمات العاملات في هذا القطاع يحاولن البحث بشكلٍ دائم عن فرصة بديلة في مكان آخر. ويُعاني التعليم الأهلي من مشكلات كثيرة ومتعددة، أهمها تدني مستوى الجودة، نتيجةً لسياسات بعض المدارس التي تبحث عن المعلم الأقل تكلفة مادية وليس الأكفأ علمياً وتربوياً، كذلك أساليب وطرق التدريس المتبعة تعتمد على أساليب مرنة وميسرة ومحببة للطلاب، وليس الطرق والأساليب التي تقدم التعليم الأفضل، إضافةً إلى نسبة الغياب المرتفعة من الطلاب نتيجة عدم الحزم والجدية في المحاسبة. طرق التدريس المتبعة تعتمد على أساليب مرنة ولكنها لا تقدم الأفضل علمياً والنتائج أكبر دليل مهام إضافية وأكَّدت "رنا عبدالكريم" -معلمة- على أنَّ العديد من المدارس الأهلية تحاول استغلال كل قدرات المعلمة واستنزاف جميع طاقاتها، إلى جانب ممارسة مزيد من الضغوط عليها عبر زيادة المهام الموكلة لها، خاصةً بعد قرار تحسين رواتب المعلمات الذي طبقته بعض المدارس، في حين فضلت كثير من المدارس التزام الصمت تجاهه، مُضيفةً أنَّ بعض المدارس أخذت في التخلص من عدد من المعلمات بالاستغناء عنهن، وإسناد المهام الموكلة لهنَّ إلى زميلاتهنّ في المدارس نفسها. وأضافت أنَّ هذا الإجراء زاد من حجم المعاناة لدى المعلمات اللواتي لم يتم الاستغناء عنهن، لدرجة أنَّ إحداهنَّ باتت تعمل على تدريس ثلاث مراحل تعليمية جملةً واحدة، إلى جانب إلزامها بواجبات ومهام أخرى، حتى أنَّ المعلمة بدأت تشعر أنَّها مُستهلكة بشكلٍ كامل، في ظل اضطرارها لإكمال هذه المهام في منزلها، مشيرةً إلى أنَّ هناك عدم تطبيق للأنظمة في العديد من المدارس الأهلية، موضحةً أنَّ هناك رقابة على سير الحركة التعليمية بشكلٍ عام دون الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة. وأوضحت أنَّ المعلمة في هذه المدارس باتت تشعر أنَّها تعمل في مؤسسة خاصة ومعرَّضة للاستغناء عن خدماتها في أيّ وقت، مُضيفةً أنَّ الجهات المعنية لا تستطيع أن ترفض قرار مالك المدرسة بالتخلي عن بعض المعلمات، بحجة أنَّ ذلك يعود إلى قرارات القطاع الأهلي، في حين لا يحدث ذلك في القطاع الحكومي، الذي تكون فيها الوظيفة مضمونة للجميع، إذ لا يمكن أن تترك المعلمة وظيفتها لأحد بقرار شخصي، لافتةً إلى أنَّ هناك مدارس لا تلجأ إلى فصل المعلمة بشكل مباشر؛ خوفاً من المحاسبة، بيد أنَّها تسعى للتضييق على المعلمة إلى أن تقرِّر المعلمة بنفسها ترك المدرسة والبحث عن مدرسة أخرى بديلة. قلَّة الحوافز وأشارت "فاطمة الخميس" –معلمة- إلى أنَّ كثيراً من الخريجات لا يُحبِّذن أبداً التدريس في المدارس الأهلية؛ نظراً لكثرة المهام والضغوطات التي يتحملنها، في ظل قلّة الإمكانات والحوافز المادية المُقدَّمة، مُضيفةً أنَّ التعليم الأهلي لا يقدم خدمة تتميَّز عن التعليم الحكومي، بل ربَّما كان التعليم الحكومي أفضل منه بكثير، موضحةً أنَّ الواقع يفرض أن يتميز القطاع الخاص على الحكومي فيما يتعلَّق بتنمية مهارات المعلمات عبر تزويدهن بالعديد من الدورات التدريبية التي تصقل تجربتهن العملية. وأضافت أنَّ هناك مدارس حكومية تميزت كثيراً عن المدارس الأهلية، مُبيِّنةً أنَّ كثيراً من المعلمات يقبلن الاستمرار في العمل بالمدارس الأهلية من أجل الحصول على خبرة تدعم موقفهن حينما يرغبن في التقديم على الوظيفة الحكومية، لافتةً إلى أنَّه على الرغم من قرار تحسين رواتب المعلمات في المدارس الأهليَّة، إلاَّ أنَّ المعلمة لاتزال تطمح في أن تجد لها فرصة وظيفية في مدارس حكوميَّة لتضمن بذلك الحصول على راتب شهري أفضل ومرتبة وظيفية تماثل ما تحصل عليها مثيلاتها ممَّن يعملن في القطاع الحكومي. وجاهة اجتماعية وبيَّنت "أسماء علي" –معلمة- أنَّ المدارس الأهلية أصبحت –للأسف- تُمثِّل وجاهة اجتماعية أكثر من كونها تُقدِّم تعليماً حقيقياً مميزاً، مُضيفةً أنَّ بعض الأسر تتسابق على إلحاق أبنائها بالمدارس الخاصة بحثاً عن مستوى تعليمي مميز، في حين يختار الأبناء تلك المدارس للحصول على الدرجات بسهولة مقارنةً بما هو عليه الحال في المدارس الحكومية، خاصةً في مرحلة الثانوية العامة التي تسبق المرحلة الجامعية. وأضافت أنَّه لم يحدث الارتقاء بهذه المدارس إلى المستوى المطلوب الذي يطمح إليه العديد من الآباء وأبنائهم الطلاب والطالبات، موضحةً أنَّ العديد من المدارس الأهلية لم تنجح حتى الآن في تقديم تعليم مختلف كماً ونوعاً عما هو موجود في المدارس الحكومية، سواءً في نوعية المواد الدراسية أو طرق التدريس، مُبيِّنةً أنَّ الشيء المختلف في هذه المدارس هو خروج الطلاب متأخرين عن الوقت المعتاد في المدارس الحكومية، نظراً لزيادة عدد الفُسح، التي تصل إلى ثلاث في اليوم الدراسي. مشكلات سلوكية ولفتت إلى أنَّ بعض هذه المدارس الخاصة لم تُحسن إعداد المعلمات، خاصةً فيما يتعلَّق بالتعامل مع المشكلات السلوكية أو النفسية التي قد تعاني منها إحدى الطالبات، مُضيفةً أنَّ هناك من لا تعرف كيفية التعامل الأمثل مع الطالبات، موضحةً أنَّ بعض الأسر قد تعلم أنَّ لدى ابنتها مشكلة سلوكية ما، وبالتالي تحرص على إلحاقها بهذا النوع من المدارس ظناً منها أنَّ ذلك سيدفعها نحو التغير الإيجابي، في حين قد تتفاقم المشكلة نتيجة الإفراط في تدليل الطالبة في مدرستها تلك. وأوضحت أنَّ المدرسة قد تفشل في هذه الحالة في تغيير سلوك الطالبة، خاصةً إن كانت من النوع المتمرّد، في ظل إحساسها أنَّها جاءت إلى هذه المدرسة لتتعلم وتمارس ما تريد ممارسته من سلوكيات سلبية بمال أسرته الخاص، وبالتالي فإنَّ المدرسة قد تتغاضى عن ذلك وتترك لها مطلق الحرية خشية أن تفقد "زبونها"، مُشيرةً إلى أنَّ الطالبة في هذه الحالة لم تُطور مستواها الدراسي، كما أنَّها لم تتلق التوجيه النفسي والسلوكي الذي يدفعها للتغير الايجابي، في حين تبقى المعلمة هنا بمثابة الحلقة الأضعف دائماً، إذ تشعر أنَّ الطالبة أهم منها؛ لكونها هي من تموّل المدرسة مادياً عبر تحصيل الرسوم الدراسية من أسرتها. أساليب مرنة ورأى "د.محمد بن سليمان المشيقح" -أستاذ تكنولوجيا التعليم والاتصال بجامعة الملك سعود- أنَّ للتعليم الأهلي في المدارس الأهلية مشكلات كثيرة ومتعددة، ومن أهمها تدني مستوى الجودة في التعليم، مُضيفاً أنَّ ذلك هو نتيجة حتميَّة لسياسات بعض المدارس التي تبحث عن المعلم الأقل تكلفة مادية وليس الأكفأ علمياً وتربوياً، موضحاً أنَّ أساليب وطرق التدريس المتبعة في هذه المدارس تعتمد على أساليب مرنة وميسرة ومحببة للطلاب، وليس تلك الطرق والأساليب التي تقدم التعليم الأفضل. وأضاف أنَّ من بين تلك المشكلات أيضاً التكلفة المادية العالية، التي تُرهق أولياء أمور الطلاب، إلى جانب نسبة الغياب المرتفعة من الطلاب نتيجة عدم الحزم والجدية في محاسبة الطالب على غيابه، وكذلك الاعتماد على المظاهر الخارجية للمدرسة وليس على جودة التعليم، إضافةً إلى أنَّ معظم طلاب المدارس الأهلية يبحثون عن الدرجات وليس التعليم الجيد، وغالباً ما يتحقق لهم ذلك. توطين الوظائف وأشار إلى أنَّ توطين الوظائف في المدارس الأهلية لم يُحقِّق النتائج المطلوبة لعدَّة أسباب من أهمها أنَّ معظم المدارس الأهلية تبحث عن الربح وليست الجودة، لذلك فهي تفضل المعلم الأقل تكلفة مادية وليس الأكفأ علمياً وتربوياً، بحجة أنَّ المعلم السعودي مُكلف مادياً، إلى جانب أنَّ معظم المعلمين الوافدين يتحمسون لأهداف المدارس المادية المعلنة وغير المعلنة، كما أنَّ المعلم السعودي -حسب رأيهم- ليس مستقراً في المدارس الأهلية، إذ إنَّه قد يترك العمل فجأة وبدون إنذار سابق عند حصوله على وظيفة حكومية؛ لأنَّه لا يرى مستقبله في هذه المدارس. ولفت إلى أنَّ السر وراء انتقال كثير من الطلاب من المدارس الحكومية إلى الأهلية يرجع لعدد من الأسباب، من أهمها البحث عن الدرجات التي قد يحصل عليها الطالب دون أن يبذل أيّ مجهود، إلى جانب قلة الحزم والجد في التعامل مع الطالب، سواءً عندما يغيب عن المدرسة أو حينما يُخلّ بالواجبات المنزلية أو المدرسية، وكذلك التفاخر، سواءً من قبل الطلاب أنفسهم أو من قبل أولياء أمورهم، على أساس أنَّ هذا الابن أو ذاك يدرس في المدارس الفلانية. إيجاد طرق تدريس مُؤثرة علمياً يُفيد الطلاب مستقبلاً