طرح الفنان عبدالكريم عبدالقادر ألبومه الجديد محتوياً على خمس أغان تنتمي لزمن الطرب الجميل الذي عرف عن رمز الأغنية الخليجية «الصوت الجريح». الجميل في هذه العودة أنها جاءت من البوابة الرسمية وليست التجارية وذلك لأن الألبوم تم تمويله وإنتاجه بشكل كامل من قبل إذاعة الكويت الحكومية تقديراً منها لرمز وطني كويتي يستحق كل تكريم. فلم تترك هذا العملاق رهينة لشركات إنتاج تجارية تعمل وفق منطق استهلاكي وتريد إخضاع كل النجوم لمنطقها دون احترام لقيمتهم ومكانتهم. لقد فعلت إذاعة الكويت الشيء الصحيح الواجب على كل الإذاعات والتلفزيونات الرسمية والمتمثل في الحفاظ على الذوق وعلى الهوية نقية من غزو الروح الاستهلاكية التجارية. وإنتاج ألبوم عبدالكريم عبدالقادر يأتي في هذا السياق حيث حفظت الإذاعة مكانة نجمها واحترمته ومنحته الفرصة لتقديم فنه دون رضوخ للاعتبارات التجارية. ما الذي أجبر إذاعة الكويت لدعم رمزها الكبير في هذا الوقت بالذات وتتجاوز شركات الإنتاج الفنية التي مارست دور الوصي على تاريخ الأغنية وعمالقة الفن بالخليج؟ الحقيقة أن هذه الخطوة لم تكن الأولى في سجل الإذاعة أو تلفزيون الكويت؛ إنما هي استمرار لدعمها اللا محدود لرموز الكويت كالراحل عوض دوخي وعبدالمحسن المهنا وغيرهما, وهي بذلك تقدم إشارة لبقية الإذاعات الحكومية التي تتجاهل الرموز وتراثهم وعلى رأسها الإذاعة السعودية التي اشتهر عنها تجاهلها الكبير لرموز الغناء في المملكة؛ منذ إتلافها للتسجيل الصوتي الوحيد للراحل بشير حمد شنان في برنامج «هكذا كانوا يغنون» مع طارق عبدالحكيم رحمهما الله؛ إلى جانب إلغاء قسم الموسيقى في الإذاعة وتلف بعض التسجيلات القديمة في المكتبة واختلاطها مع بعض بحيث لا يستطيع أحد معرفة من يغني في داخل هذه التسجيلات. أما إذاعة الكويت فقد احترمت تراث وطنها الغنائي واهتمت بالمطرب القدير عبدالكريم عبد القادر وأنتجت له خمس أغان جديدة فيها من عبق الثمانينيات وروحها الطربية. ولا شك أنها بذلك تحرج بقية الإذاعات الحكومية بعد أن أكدت أن من أهم أدوار الإذاعات والتلفزيونات الحكومية الحفاظ على المكتسبات الفنية وإظهار قيمتها للمستمعين في برامج متنوعة. سابقاً كان مسرح الإذاعة والتلفزيون السعودي نشطاً ومفعماً بالحركة ومحتضناً لجلسات تسجيل الفنانين في نهاية الستينيات والسبعينيات وحتى مطلع الثمانينيات من القرن الماضي؛ لكن الحال انقلبت بشكل كامل وأصبحت الموسيقى مهجورة ليست في المجتمع فحسب بل أيضاً لدى الإذاعة الرسمية التي يفترض بها دعم الفن السعودي بمختلف تفرعاته. وأصبح تهميش الأغنية ورموزها هو ديدنها في السنوات الأخيرة. عندما سجل عبدالكريم عبدالقادر أغانيه الجديدة «خذني الوله» و»لا هزني الشوق» و»لوعة المشتاق» و»لا ما تحملت الفراق» و»اسأل الأيام» فلم يكن بدواع تجارية بل تحقيقاً لمبدأ «الفن من أجل الفن» ولم يكن ليحصل على هذا الترف لولا وقوف إذاعته الوطنية معه في بادرة تأتي في هذا الوقت الذي أصبح فيه الفن ركيكاً ومفسداً للذوق العام. ما نأمله أن تكون هذه الخطوة محفزة لبقية الإذاعات الحكومية؛ أن نرى إذاعتنا الرسمية تنتج أغاني فنية ذات قيمة عالية لرموز الأغنية السعودية الذين ابتعدوا عن المشهد الغنائي تحت ضغط شركات الإنتاج التجارية. ليت هيئة الإذاعة والتلفزيون تبادر وتقلد ما فعلته إذاعة الكويت فلدينا نجوم غابوا عن العين والسمع ويستحقون كل اهتمام؛ وليتها تصحح مفهوم الفكر الشاذ في إلغاء الفن عبر الإذاعة والتلفزيون وتساهم في عودة الأغنية لرونقها السابق.