على الرغم من الاتفاق الدولي بشأن ضرورة مكافحة الإرهاب بكافة أشكاله، إلا أن الواقع الحالي في الوطن العربي، واختلاف الأجندة السياسية بين الدول الفاعلة في المنطقة حال دون أن يكون هذا الهدف واضحاً، وأصبحنا ننتظر أن يقوم اللاعب الرئيسي بنقلته حتى يمكننا أن نتحرك. أدت الاضطرابات السياسية التي اندلعت في الشرق الأوسط منذ حوالي أربعة أعوام إلى تغييرات كبيرة في المعادلات السياسية وخارطة التحالفات والعلاقات التاريخية بين دول المنطقة، وشهدنا كيف ذابت عقود طويلة من الصداقة أمام اختبار « الربيع العربي»، الذي رأت فيه بعض الدول المتنفذة فرصة جيدة من أجل تحقيق بعض المكتسبات، وبدأت تحريك الخيوط ليؤدي الممثلون دورهم في المنطقة. كما كان متوقعاً أدت هذه الاضطرابات إلى صعود فئات سياسية واختفاء أخرى وعصفت بالكثير من الدول العربية فوضى تاريخية، فأصبحت «الأفغنة» و»الصوملة» مصطلحات مطروحة في قاموس المنطقة بل أصبحنا في مرمى تلك المصطلحات فعلاً، عندما نرى الوضع في سورية وليبيا والعراق واليمن، والخطر يكمن أن بعض تلك المناطق الساخنة على حدودنا إما الشمالية أو الجنوبية، لذا فإن أخذ زمام المبادرة مطلب مهم في وسط أحداث تتوالى تباعاً. أكسب التراخي الدولي في التعامل مع أزمات المنطقة، التنظيمات الإرهابية فرصة للتحرك بشكل أكثر فعالية، وعلى عدة محاور مستغلين حالة الضعف التي تلت سقوط الأنظمة السياسية في عدد من الدول العربية، إلا أن التعاطي الدولي مع هذه الأحداث والتردد أسهما في نضوج تلك التنظيمات، التي بدأت تتحرك نحو تهديد الأمن الإقليمي، ولم يكن ذلك يستدعي التدخل في نظر الفاعلين الدوليين، وخصوصاً فيما يتعلق بالأزمة السورية التي طال أمدها ما حدا إلى استفحال الصراع العسكري، ودخولها في أتون حرب لا نعرف متى تنتهي، كان أحد نتائجها «داعش»، ولولا دخول المملكة بقوة لنزع فتيل الأزمة المصرية، ووقوفها في وجه الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي اللذين لم يدعما تغيير 30 يونيو، لأصبحنا في خضم حرب أخرى. لقد قامت واشنطن المترددة في الدخول على خط الأزمة التي تضرب في الشرق الأوسط بضربات عسكرية في غاية الدقة والتأثير، بعد أن أدركت أن أهدافها الإستراتيجية معرضة إلى الخطر، وأن من شأن ترك التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها «داعش» تعبث في المنطقة، بعد أن تمددت بشكل مرعب من سورية وحتى العراق، وبدأت بفرض أجندتها الظلامية في المناطق التي تسيطر عليها، سيجعلها أمام أفغانستان جديدة. المبادرة التي أخذتها المملكة بتجريم التنظيمات الإرهابية في «6 مارس» خطوة استباقية، لكن لا يجب انتظار مجلس الأمن لاتخاذ خطوة فعلية في حربنا على الإرهاب. تبدو المملكة اليوم وعدد من الدول العربية مثل مصر والأردن والمغرب والجزائر والإمارات العربية في حال استيعاب كامل لما يدور في المنطقة، انطلاقاً من الخبرة المكتسبة لهذه الدول في محاربة التنظيمات الإرهابية، لذا فإن إنشاء تحالف عربي لمحاربة الإرهاب استناداً إلى النشاط الأمني والاستخباراتي الذي تستند إليه مجموعة الدول العربية آنفة الذكر سيشكل رأس حربة لضرب التنظيمات الإرهابية فوراً وعدم الركون إلى الحسابات الدولية.