تجربة ثرية أمضاها الأديب والشاعر الكبير الأستاذ سعد الحميدين بين أوراقه وكتبه ودواوينه وأروقة الصحافة نافت عن الأربعين عاماً تكللت بالنجاح والتميز وأغدقت على الحركة الثقافية في بلادنا كثيراً من الحضور والازدهار من خلال إشرافه على ملحق ثقافة "الرياض" أعواماً عديدة، وأثرى مشهدنا الشعري بجمهرة من النصوص الشعرية جاءت في تسعة دواوين حملت مضامين فنية ورؤى جمالية انعكست على كثير من التجارب الشعرية الجديدة في هذا الجيل. هكذا كان قدر أستاذي وزميلي سعد الحميدين ولم يستطع أن ينفك عن هذا القدر الأنيق، لقد عاش في دائرة الثقافة والأدب والشعر والصحافة، فكانت معه أينما حل، لذلك أخلص لهذه الدائرة سنوات طويلة حتى بات عاشقاً لها، فقدم لها عذابات العمر الجميل ورأى أن عليه دوراً كبيراً تجاه المشهد الثقافي في المملكة فانغمس في عالم الصحافة الثقافية يرنو إلى واقع ثقافي أفضل ويصبو إلى تحقيق مشهد أدبي يحفه الوعي والتنوير فأودع به طائفة من القصائد الشعرية والنصوص القصصية لكبار المبدعين العرب وانطوت على طائفة من الدراسات النقدية الباذخة، دبجها أئمة النقد والبيان في ساحة النقد، كما أثار الملحق كثيراً من قضايا الأدب والنقد والثقافة شارك فيها طائفة من أبرز الكتاب وحمل الملحق أيضاً جملة من المقالات الأدبية الرصينة التي كتبها ألمع الكُتاب، إضافة إلى الحوارات الماتعة التي لا تخلو من الجرأة. لقد كان ملحق ثقافة الرياض وما زال حلقة علمية هامة تثري الحراك الثقافي وتضخ فيه أجود الكتابات الرفيعة التي ترفد القارئ وتزيد من علمه وترفع من ثقافته وتجعله محاطاً بكل ما يستجد في عالم الكتب والمعرفة، وهنا أتذكر بعضاً ممن اختارهم الأستاذ الحميدين كي يضيئوا زوايا الملحق ومنهم: محمد حسين زيدان، حسين سرحان، محمد حسن فقي، حسن ظاظا، نذير العظمة، عزيز ضياء، عبدالله الغذامي، مريسي الحارثي، عابد خزندار، سعد البازعي، حنامينا، إبراهيم أصلان، عالية ممدوح، هاشم صالح، حسين بافقيه، عالي القرشي، معجب الزهراني، حسن السبع، معجب العدواني، عبدالله باخشوين، عبدالله إبراهيم، عبدالله باهيثم، علي حسن العبادي، حسين العروي، محمد العباس، عبدالعزيز الصقعبي، عبدالله الزيد، إبراهيم النملة، فاطمة المحسن، إبراهيم الوافي، سعدية مفرح، علوي الهاشمي وآخرين من البارزين أيضاً، كل هذه الأصوات ذات الحضور الكبير كان ينتظرها القارئ صباح كل خميس ليختار ما يشبع نهمه ويرضي ذائقته. لم تكن أعباء الصحافة تعيق الأستاذ الحميدين عن عالمه الخاص عالم القوافي فقد كان مهجوساً بالقصيدة حَّد الوله مغرماً ببحورها عاشقاً لها، فولج هذه العوالم وضخ له وجدانه وعاطفته أبدع القصائد وخرج على الناس ذات جمال ب"رسوم على الحائط" معلناً شرعية هذا الشعر المتجددة، بعد أن صدر في ديوان مستقل كان أول ديوان يؤمن بالتجديد في عالم القصيدة الحديثة، ويعلن امتداده برموز هذا الشعر في عالمنا العربي، وسرعان ما امتدت تجربة الحميدين واتسعت له الرؤية، وخاض مع الشعر أبدع التجارب أثمرت دواوين عدة كان التجديد في الشكل ديدنها وأضفى عليها لغة باذخة وأنماطاً مضيئة من الصور وسعى في تعزيز بنية الايقاع محققاً موسيقى عذبه، كما وظف بمهارة المفردة الشعبية في بناء عدد من قصائده إلى جانب الأسطورة التي أولاها حيزاً كبيراً من هذه التجربة ما جعل كبار النقاد العرب تستوقفهم هذه التجربة المتألقة فعنوا بدراستها ومحاورتها. واليوم تحتفي صحيفة الرياض بتكريم ابنها البار الذي كان من أقرب الناس إليها على مدى عقود طويلة يلاحقها بالأخبار ويزودها بالمقالات ويبحث لها عن القصائد والحوارات ويرى في مهنة المتاعب متعة وجمالاً. آن لك يا سعد أن تخلد للراحة على مقعد وثير آمناً في سربك مطمئناً في دارك تتنقل يداك بين كتاب وديوان تشبع منه نهمك الذي عرفته فيك مستمتعاً بعمرك المديد إن شاء الله.