أدى العدوان الإسرائيلي الوحشي الأخير على غزة إلى عودة فلسطين إلى المشهد العالمي بعد أن اختفت لفترة من الزمن بفعل الانقسام العربي والانقسام الفلسطيني، وقوة الإعلام الصهيوني. ردود الفعل على حرب الإبادة التي شنتها إسرائيل على غزة كانت سياسية وشعبية. أما السياسية فهي خاضعه للمواقف الرسمية للدول الخاضعة بدورها للمصالح والضغوط والتحالفات بصرف النظر عن المبادئ والشعارات التي تمجد الحرية واستقلال الدول وحقوق الإنسان. لذلك تأتي هذه المواقف رمادية وتصاغ بطريقة بحيث لا يكون لها أثر. المثال الصارخ على مواقف الدول هو الموقف الأمريكي الذي يقوم بدور الخصم والحكم فتأتي أحكامه غير عادلة. أما ردود الفعل الشعبية فهي ذات طابع إنساني ولكن حتى هذه المشاعر الإنسانية لم تسلم من الضغوط والأجواء السياسية المحكومة بقوة تأثير اللوبي الصهيوني. ظهرت تغريدات شعبية في الغرب من بعض نجوم الرياضة والفن تتعاطف مع فلسطين مطالبة بحريتها منددة بوحشية إسرائيل، ثم ما لبثت تلك التغريدات أن اختفت أو عدلت أو تراجع أصحابها. أما في الوطن العربي فظهرت بشكل مثير للاستغراب والاستهجان أصوات مبتهجة بعدوان إسرائيل على غزة تعبيراً عن مواقف سياسية وحزبية وفكرية متناسين أن القضية هي قضية فلسطين وليست قضية حزب وأن الموقف يتطلب التركيز على جوهر المشكلة وهو الاحتلال والاستيطان والحصار، وليس التشفي وتصفية المواقف. هذا الموقف دفع بالعرب للاستنجاد بالآراء والمشاعر المتعاطفة مع فلسطين الصادرة من غير العرب. فلسطين تعود إلى مسرح الأحداث بفعل جريمة إسرائيلية جديدة ترفض وحدة الفلسطينيين. فلسطين تعود للمقاومة في صراع مع عدو متجرد من الإنسانية، وفي أجواء إعلامية غير محايدة خاصة في أمريكا الواقعة تحت سيطرة منظمة (ايباك). هذه المنظمة التي لا تسيطر على الإعلام فقط بل على القرار السياسي لأنها تعبر عن فئة تسيطر على المال والأعمال وصناعة الإعلام. في هذه الأجواء يصبح الإعلام المهني الحر أكذوبة وتغيب الحقيقة عن الشعوب وتحضر فقط المشاعر الإنسانية الصادقة التي لا تؤثر فيها ألاعيب السياسة. بهذه المشاعر الإنسانية تعود فلسطين وبها سوف تستعيد حريتها وحقوقها. تعود فلسطين من خلال الوحدة الفلسطينية والابتعاد عن التحالفات التي لا تخدم القضية. والابتعاد عن لغة التخوين، وعن الشعارات والخطابات والمزايدات. تعود فلسطين بتحويلها إلى قضية إنسانية عالمية وأن تبتعد عن ألاعيب السياسة وتقلباتها وتناقضاتها.