ربما هناك العديد من الأمثلة على مر التاريخ تشهد للفنان أنه قادر على تحويل أبشع الصور إلى لغة تعبيرية ذات مضمون ورسالة إنسانية صادقة وهادفة وأن يضيف كما عرف الأديب "فيكتور هوجو" الإنسان "كوازيمودو" في روايته "أحدب نوتردام": الإنسان المسخ الذي كان يُشك في أنه بشري، ليقذفه الجمال والحب إلى أعلى مراتبها واسماها، وليس الغرض هنا من ذكر الرواية بقدر مضمونها الذي يهدف إلى الإنصات لصوت الضعفاء ويرفض الظلم وغياب العدل ونحن نشاهد في القرن الواحد والعشرين قمة الظلم وغياب العدل وقهر الضعفاء لما يحدث من مجازر طالت الأطفال الأبرياء والمسنين والنساء الذين لا حول لهم ولا قوة في حروب على الأراضي العربية ونخص منها ما يحدث في فلسطين حالياً. الفن لم يكن غائباً عن المشهد السياسي فمنذ ولادة الفن ونجد لوحات تصور بشاعة الحروب وما تخلفه من دمار للحياة البشرية مثل لوحة "مذبحة الأبرياء" للفنان الهولندى بيتر بول روبنز، وأخرى لنفس الفنان روبنز الذي عرف عنه أنه كان داعياً للسلام لوحة "نتائج الحروب" وهذه الأخيرة بمحتواها التعبيري بالنظرة المرعبة والحزينة في عين أم تحمي طفلها بعد أن شردتهم الحروب. هذا الفنان الفلمنكي الذي تفخر به منطقة شمال أوروبا "هولندا وبلجيكا ولوكسمبورج" وفنه المميز الذي تزهو به المتاحف بل إن هناك وصفا شائعا لقوة التعبير عند أي فنان إذ يقال: إنه تعبير "روبنزي" نسبة إلى الطابع القوي الذي اتسمت به أعماله سواء كانت هذه الأعمال تمثل الخيال كلوحاته المستلهمة من حروب الأساطير الرومانية أو من مشاهد حقيقية. كما انطبق الحال على اللوحة الشهيرة "الصرخة" للفنان النرويجي إدفارت مونش"Edvard Munch" فبرغم بساطتها استطاعت أن تعبر عن الخوف الوجودي الذي تجسده الحياة المادية وصراعات النفس البشرية على من يكون الأقوى والأمثل. الصرخة المدوية التي تمثلها اللوحة والآتية من الفم الذي أخذ الحيز الأكبر من الوجه المشوه من شدة الألم ومن هول ما يحدث للبشرية من تقلبات قد تحوله عن المبادئ المثالية إلى دمار نفسه لنفسه. ولعل أشهر ما عرفه العالم من لوحات تدعو للسلام وتستنكر الحروب هي لوحة الجرونيكا "Guernica" للفنان بابلو بيكاسو عندما تعرضت مدينته "جرونيكا" بأسبانيا لمأساة حرب مروعة راح ضحيتها سكان هذه القرية الأسبانية الوادعة التي أمطرها العدو بوابل من القنابل فدمرت القرية بمن فيها عن آخرهم، وقد عرف عن هذه اللوحة التي زارت بلدانا متعددة كشاهد على بشاعة معاناة الحرب والمأساة التي تسببها للأفراد وأصبحت رمزاً يجسد الحرب ويدعو للسلام. كما رسم الفنان الأمريكي والبريطاني الأصل "بنجامين وست" عدداً ليس بالقليل من اللوحات التي تعبر عن فظائع الحرب وإهدار الأرواح ممثلة الوحشية والأطماع الاستعمارية والتسلط، كما تتوالى آيات العطاء الإبداعي المشحون بشتى عوامل العاطفة والانفعال في أعمال الفنانين فنجد الزائر لقصر فرساي أو متحف اللوفر يقف مشدوداً إلى لوحات أنتجها عباقرة الفنانين الفرنسيين تمثل حروب نابليون بونابرت الطاحنة التي حفلت بأحداث مروعة ومواقف تاريخية قلبت موازين أوروبا كلها. وعلى هذا المنوال نسج الفنانون عشرات من الأعمال الإبداعية كالتي نشاهدها في أعمال الفنان البريطاني "وليام تيرنر" في روائع تعبيرية مشحونة بعواصف نارية لونية تلهب المشاعر. الجيرونكا للفنان بابلو بيكاسو 1937 مما لاشك فيه أن هناك قليلا من اللوحات التي أنتجت على الصعيد العربي أما على الصعيد المحلي فقد نجد رائعة من روائع الفنان السعودي ضياء عزيز ضياء "لوحة الشهيد" التي تمثل هول وبشاعة فقدان أم لطفلها الذي مات شهيد حرب في بلاغة التعبير عن الغضب والظلم والألم في صرخة نكاد نسمعها من خلال الحسرة والأسى التي تفيض بهما اللوحة، كما تتألق عبقرية التعبير لضياء في لوحة أخرى لأم يحيطها أبناؤها وهم يبكون موتها من جراء قذيفة أصابتها. ولوحة لكاتبة المقال عنونتها ب"يا قدس" للتعبير عن مأساة شعب فلسطين والأمهات المسنين الذين لا يملكون إلا الحجارة التي يناولونها لأبنائهم للدفاع عن أنفسهم أمام صواريخ وقذائف العدو الإسرائيلى الغشيم، وأخرى عن الطفلة إيمان "وداعاً يا إيمان" التي تعد رمزاً من رموز عديدة لمئات الأطفال الذين راحوا وأزهقت أرواحهم من جراء الحرب. نحن المهتمون بالفن في أرجاء الوطن العربي والإسلامي لا نجد متاحفنا تمتلئ بمثل هذه الأعمال كي تقف شاهداً على بشاعة الحرب واستنكاره أمام العالم، بل ولا نجد مرجعاً أو موقعاً على الإنترنت يمكن اللجوء إليه لمعرفة إنتاج فناني الوطن سواء للوحات تمثل الملاحم البطولية التي حققها العرب قديماً وهي التي صورها لنا الغرب نسجاً على منوالهم أو ما يحدث للعرب والمسلمين حالياً على أرض الواقع، وما تشاهده الساحة العربية والإسلامية من هول وبشاعة الحروب ضد الإنسانية يصافح أعيننا كل يوم ويحتاج انتفاضة فنية عربية ضد المجازر التي تسببها الحروب في وقتنا المعاصر، فنحن نطالب فنانينا العرب بوجه عام والمحليين بوجه خاص الذين يمتلكون جميع مقومات المنافسة الإبداعية التي لا تقل في التعبير والموهبة عن الفنون الغربية أن يتحولوا إلى مقاتلين بوسائلهم الإبداعية فالفن قادر على أن يوقظ ضمير العالم بما يحتوي عليه من قيمة تأثيرية فكرية لمسيرة الشعوب، فريشة الفنان ولمساته الواعية في لوحة أقوى من دروع الحرب وأكثر دوياً من المدافع والقنابل كما أن أحداث العالم الحالي الساخنة تحتاج توثيق الريشة لأجيال المستقبل فكم من لوحات خلدت تاريخ عناء شعوب ومثلت بالخيال ما أضناه عالم الواقع. ضياء عزيز ضياء الفنان ضياء عزيز ضياء الفنان وليام تيرنر نتائج الحروب للفنان 1628روبنز