قال تعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) التعامل الأمني لمكافحة الإرهاب غير كاف لهزيمته. هناك جانب آخر ومهم وهو الأمن الفكري الذي يقوم بدور الوقاية من خطر الإرهاب. ومن هنا تأتي أهمية ملاحظة خادم الحرمين الشريفين حين نصح العلماء والمشايخ بالتخلي عن الكسل والصمت في مواجهة الإرهاب. نعم، لقد كسلنا وصمتنا أمام الأحداث الجسام وانشغلنا بالأمور الصغيرة غير المؤثرة، والقضايا الاختلافية. كسلنا وصمتنا أمام قضية تهدد أمن الوطن ووحدته ومستقبله، بل يمتد خطرها إلى العالم أجمع. كسلنا وصمتنا أمام نشاط أصحاب الفكر الذي أنبت الإرهاب ولا يزال هذا النشاط قائماً بطرق مختلفة ولن يتوقف إلا إذا هب الوطن بكافة أطيافه وفئاته ضد هذا الوباء المدمر. وباء فكري شوه صورة الإسلام، دين الرحمة والمحبة والتسامح والسلام. منظمات ومسميات يجمع بينها عامل مشترك هو الحقد والعنف، وتلتقي عند هدف واحد هو تشويه الإسلام وإحداث الفرقة، ونشر الفوضى، وخيانة الوطن. لا يتفق الصمت تجاه الإرهاب مع مسؤولية المملكة ومكانتها ودورها الديني والحضاري. أي عمل إرهابي فردي أو دولي يقع في أي مكان هو قضية إنسانية لا بد أن تفرض نفسها على خطابنا الديني والثقافي بدلاً من الانشغال بقيادة المرأة للسيارة، أو بيع المستلزمات النسائية، أو جواز إلقاء الطالبة التحية على سائق الحافلة، أو غيرها من القضايا التي جعلت المسلم يشك في كل تصرفاته. الإرهاب يقف خلفه فكر متطرف نشأ وتطور وتمدد بسبب كسلنا وصمتنا. تمدد هذا الفكر وأوصل إلى العالم رسالة تقول: هذا هو الإسلام. ولكن الإسلام لا يقتل الأبرياء، ولا يكفّر الناس، ولا يصدر أحكام الإعدام بسبب اختلاف الرأي. الإسلام ليس دين تطرف والذين يضعون معاييرهم الخاصة للقيم والسلوك ويمارسون العنف لتحقيق ذلك هم الذين شوهوا الإسلام. هذا التشويه يجعل مسؤولية العلماء أعظم، هذا الخطر يتطلب حملة مستمرة وبرامج طويلة وخططاً ونشاطاً فكرياً يعيدنا إلى الإسلام الصحيح الذي جاء رحمة للعالمين. إن المقاومة الفكرية للإرهاب مسؤولية الجميع ومن المهم أن تقوم الجامعات ومراكز الأبحاث بدراسة هذه الآفة الخطيرة واقتراح الحلول الاستراتيجية للقضاء عليها بعد تشخيص أسبابها، ونأمل ألا تصاب المؤسسات التعليمية هي الأخرى بالكسل والصمت. أما الخطاب الديني فهو بالتأكيد بحاجة إلى تطوير وتغيير حتى لا يستغل لتحقيق أهداف تتعارض مع مصلحة الوطن، الدين الإسلامي من الثوابت أما الخطاب نفسه وأدواته وأساليبه فهو قابل للمرجعة والتطوير وهذا يتطلب إنهاء الكسل الفكري، وتفعيل النشاط الفكري وتوجيهه نحو القضايا الأكثر أهمية وعلى رأسها قضية الإرهاب.