الواقع العربي اليوم في انحداره وانقساماته وأزماته لم يعد خافياً أو مخفياً، وإنما معيب ومخجل حين تحولت بعض كياناته إلى أداة سهّلت الطريق للمغرضين والحاقدين للنيل من وحدته وكرامته، ومثيراً في تحولاته الفكرية وتوقيتها نحو تصدير الفتنة والقتل والإرهاب، ونشر ثقافة العنف والكراهية، وتشويه صورة الإسلام النقية بتعاليمها السمحة ومبادئها الإنسانية، ومستفز بتكتلاته واصطفافه السياسي تجاه مصالح وقتية محدودة الأفق في الدور والتكتيك، ومحبط في حضوره، وقراراته، وتبادل اتهاماته وتوزيع خصوماته. هو واقع لم يترك لنا علامات استفهام نبحث لها عن إجابة أو تحليل، أو حتى استفسار وتنسيق، ولكنه واقع يمنحك انطباعاً أن ما هو أسوأ لم يعد يحتمل ما هو سيئ، وما يمكن ترميمه لا نضمن بقاءه واستقراره، وما يفترض أن يكون لن يتحقق مع ما هو كائن، وهكذا بقينا في دائرة ضيقة صامتين، خائفين، متخاذلين، نتلقى الضربات، وحيك المؤمرات. وما بين تفاصيل كل ذلك المجموع العربي المخجل؛ ينشأ استثناءً حاضراً بوعيه، وحاضناً لهموم أمته، ومصيرها، وطموحاتها، كاشفاً للحقائق وما يحيط به الأعداء، وداعياً إلى الحكمة والوحدة.. «عبدالله بن عبدالعزيز» يبقى استثناء في قوله وفعله، وضميره، وروحه، وطموحاته، وأمانيه.. يبقى شاهداً على زعامة عربية فريدة من نوعها، وحكمها، وفروسيتها.. يبقى الرجل الذي وقف شجاعاً مبادراً في توضيح ما جهله الكثيرون واستغله الأعداء على حساب المجموع. خطاب «عبدالله بن عبدالعزيز» يوم أمس كان منصباً على أمرين: (الأول) منع اختطاف الارهابيين للإسلام، و(الثاني) تخاذل المجتمع الدولي في مكافحة الإرهاب، وكلا الأمرين لا ينفصلان عن بعضهما على الأقل من الناحيتين السياسية والأمنية، فلا يمكن أمنياً أن نغذي «الإرهابي الأجير» ونحن ندّعي حربنا على الإرهاب، ولا يمكن أيضاً سياسياً أن ننسق الجهود لمكافحة الإرهاب ونحن لا ندينه أو نندد به. الأمر الأول الذي ركّز عليه «عبدالله بن عبدالعزيز» في خطابه ورؤيته ومشروعه في محاربة الإرهاب هو فك ارتباطه عن الإسلام، مهما حاول بعض أبنائه المغرر بهم ممارسته سلوكاً فاضحاً للعداوة والكراهية والقتل، ومهما حاول الأعداء استغلال هؤلاء الخونة في تمرير مصالحهم وأطماعهم من خلالهم.. هو يريد أن يقول بكل وضوح وشفافية أن الإسلام أكبر وأنبل وأشرف من كل هؤلاء، وتعاليمه ووسطيته وعدالته تنبذ الإرهاب والغلو والتطرف، وأن الإسلام في كل ذلك شيء، وما يمارسه بعض المسلمين شيء آخر، فلا يمكن أن نحكم على الإسلام ذلك الدين العظيم بثوابته وقيمه بمغامرات خونة ومتطرفين وإرهابيين مرتزقة، ولا يمكن أن نسكت على من يصف الإسلام بسلوك الشاذين من أبنائه، وهي مسؤولية حمّلها «عبدالله بن عبدالعزيز» الجميع قيادات ومنظمات وشعوب لتوضيح هذه الحقيقة التي لا يجهلها الغرب حين تتفق مع مصالحهم، ويختلفون معها حين يفقدون صلاحيات حضورهم ومكاسبهم، ومع ذلك تبقى المهمة أكبر لتوعية شعوبهم، وأحزابهم، ومؤسساتهم، وهو الدور الذي فرّطنا فيه كثيراً؛ لأن الواقع لم يكن مشجعاً ونحن نرى أبناء الإسلام والعروبة يتقاتلون تحت مسميات إرهابية باسم الجهاد في سبيل الله، ويقتلون الأبرياء باسم الدين، ويختارون خليفتهم المزعوم ليقيموا حكماً باعتراف دبلوماسية المصالح الغربية التي جعلت من العالم العربي مشهداً للقتل والدمار والتشرذم والانقسام وربما التقسيم. من هنا -وهو الأمر الثاني الذي ركّز عليه الملك عبدالله في خطابه- أن مكافحة الإرهاب لن تتحقق وهناك دول تغذيه، وتصمت على ممارساته، مستشهداً بأحداث غزة التي قضى فيها الأبرياء ظلماً وعدواناً من إرهاب الدولة الإسرائيلي تحت مرأى وصمت المجتمع الدولي، ومحذراً من أن الإرهاب لم يسلم منه أحد، وأول ضحاياه غداً هم من سكتوا عنه اليوم تخاذلاً. «عبدالله بن عبدالعزيز» وهو يعلن أسفه من عدم تمكّن المجتمع الدولي من قبول مشروعه بإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب قبل عشر سنوات؛ يدرك أيضاً أن من أعاقه كان طامعاً وحاقداً وراغباً أن يكون الإرهاب «شمّاعة» للتدخلات والضغوطات السياسية، ومبرراً لتحريك الإرهابيين المرتزقة للإساءة إلى دينهم وأوطانهم، وساحة استخباراتية للتجسس على مقدرات الدول والشعوب، وتخويفاً من مستقبل ينعدم فيه الأمن والاستقرار في المنطقة، وحصاداً لواقع عربي أرادوا له أن يبقى مهزوزاً متخاذلاً. «عبدالله بن عبدالعزيز» كشف الحقائق بشجاعة لم تتوافر في أي زعامة عربية؛ لأنه أدرك بوعيه ورؤيته أن «مشروع الإرهاب» هو سلاح الأعداء لضرب الأمة في وحدتها، وأمنها، واستقرارها، وقرارها السياسي، وأن بقاء هذا السلاح في أيدي الخونة من بعض أبناء الإسلام سيكون مبرراً كافياً للتدخل الأجنبي، والتاريخ سيكون شاهداً على كل من كانوا أداة استغلها المغرضون. «عبدالله بن عبدالعزيز» يناشد العالم بمشروع دولي لمكافحة الإرهاب يبدأ بالفكر ولا يتوقف عن المواجهة الميدانية مهما كانت التضحيات، ويضع حدوداً للتمييز بين مخاطر إرهاب الدولة وإرهاب الجماعات، وفروقاً بين التمويل والدعم السياسي وبين كفاية التنديد والرقابة على الأموال، أيضاً -وهذا أمر في غاية الأهمية- يرسخ مع كل ذلك مفاهيم الحوار والتعايش بين اتباع الحضارات. «عبدالله بن عبدالعزيز» نشهد أنك بلّغت، ونصحت، وكشفت، ونشهد أنك صادق نقي فيما قلت، ونشهد أنك محب لأمتك، وغيور عليها، وحافظ لعهدها، وأمانتها، وتمسكها بالإسلام قولاً وعملاً. خادم الحرمين لم شمل العرب والمسلمين في قمة التضامن الإسلامي الملك عبدالله حاضراً لمواجهة هموم أمته وكشف ما يحاط بها من فتن وأزمات خادم الحرمين خلال رعايته مؤتمر الإرهاب الدولي في الرياض .. ويترأس مؤتمر القمة العربية داعياً إلى مزيد من الوحدة في مواجهة الأعداء