لا يشبه هذا العيد عيد السنوات الماضية ولا نعرف إذا كان سيشبه عيد السنوات الآتية. عيد هذا العام بنكهة الفرح، تماماً كتلك النكهات المضافة لقناني المشروبات الغازية (البرتقال والفراولة...)؛ نكهات صناعية ومصطنعة تشبه ابتسامة أم عربية مقهورة، انهار كل شيء من حولها ولم يبق لها سوى الدعاء والألم. لا نعرف حقاً كيف يكون العيد وكيف سيكون الإصغاء لأغنياته في هذا الأيام الملبدة بالمواجع والشاشات والقنوات ملطخة بدماء الأبرياء من دمشق إلى غزة. أليس العيد فرحة تعم بلاد المسلمين والعرب؟ لكن كيف تولد الفرحة ونحن نرى تشريد مئات الآلاف من فلسطين إلى سورية وحتى العراق؟. أي عيد يمكن أن يدفعنا للفرح والمسلمون لايزالون يتقاتلون بأشرس ما استطاعوا ضد بعضهم بينما أعداؤهم يتفرجون عليهم وهم يتطاعنون بكل همجية ويذهبون نحو تقسيم بلدانهم بكل ما أوتوا من قوة الوهم والجهل؟ ووسط كل هذا المشهد الدامي، يدفع الأطفال الأبرياء ثمن براءتهم باهضاً، قتلاً وتشريداً وجوعاً ومن ينجو منهم، سينشأ بذاكرة مشبعة بالدم والقهر وللأسف الكراهية واعتناق فكرة الثأر. لن نستغرب اختباء أغنيات العيد من هذه السنوات الأخيرة، خجلاً من بطش الدم ولا عجب أن تشح الأعمال الكوميدية في التلفاز، فصناعة الفرح عمل ليس بالسهل، لمشاهد عربي يحمل كل هذه الكآبة المتولدة من صحبة الموت اليومي وحتى عندما تنتج أعمالاً وبرامج تلفزيونية كوميدية يكون الضحك فيها مسكناً وقتياً سرعان ما يزول مع أول خبر دامٍ. لقد كانت استعادة الماضي تتم بأشكال كثيرة، لكن ما يجمع كل تلك الاستعدادات، هو وصف الماضي بأنه عصر ذهبي أو الزمن الجميل. وكان البعض يهزأ بهذه الأوصاف على اعتبار لا وجود للماضي الجميل في الأصل. حسناً لو تأملنا سنوات الحروب والثورات والانهيارات والمذابح التي عمت شوارع عواصم مدن عربية وهجرت الملايين ورملت مئات الآلاف وأبكت الكثيرين، لو تأملنا كل هذا الخراب ونظرنا ليس للماضي القديم ولكن فقط لما قبل "ربيع الثورات"، ألن يكون زمناً جميلاً إزاء هذا الزمن؟ أوليس أي عصر قبل هذا العصر الدامي هو عصر ذهبي؟! أخيراً، إذا كان من أمنية، فهي بأن يعم السلام بلاد العرب وأن تهوي منارات الجهل وتسكت أبواق الكراهية وأن يعي "الأخوة الأعداء" أن لا مناص من العيش بسلام لأجل أجيال جديدة لا ذنب لها سوى أنها ولدت في هذا الزمن القاسي. ولكي يعود الفرح، طعماً طبيعياً كطعم الكرز الصيفي أو الرمان، علينا أن نعمل دوماً من أجل إشاعة خطاب الجمال والمحبة وهو ما لا يدرك فقط بكلمات. ولأن العيد هو عيد الأطفال بالدرجة الأولى، فهل سيأتي ذلك اليوم، الذي يفكر فيه المتحاربون بأطفالهم؟