نسير في المكان كل يوم، ونرى الطريق تحت نور الشمس نهاراً والكهرباء ليلاً. وكذلك نسير في الزمان باستمرار، ونحتاج إلى تسديد المسير بتجارب العقلاء والعباقرة والمجربين، فإن العقبات في الزمان أكثر منها في المكان، وأشد غموضاً، وأكثر خداعاً، وأقوى في تحديد مدى السعادة أو الشقاء، النجاح أو الفضل، في صرف أوقاتنا، وتحديد أهدافنا، وتمييز الخطأ والصواب، وتحسين الأوضاع المعيشية والاجتماعية، وحسن التصرف مع الناس، والتخلص من المواقف الصعبة والمشكلات. حين نسافر في المكان نجد طرقاً معبدة، فيها لوحات إرشادية، تدلنا على ما نريد، بشكل واضح ملموس، ولكن حين نسير في الزمان تكون الأمور أكثر ضبابية، ومجاهل الزمان أقوى ومفاجآته أعنف. وحتى قبل الكهرباء كان العرب يهتدون بالنجوم حين يسيرون بليل، وبالجبال والمواقع المعروفة للوصول إلى المكان المأمول بأمان وسلام، وكانوا يميزون بين الماء والسراب في لظى الصحراء ومجاهلها، ويعرفون الجواد المطروقة التي تؤدي إلى المقصود، ويحضون على لزوم الجادة ولو كانت أبعد من الطرق الفرعية، لأن الأخيرة قد يتوه فيها المسافر وتتشابه عليه الطرق ويدوخ رأسه فيضيع في الصحراء المهلكة التي لا ترحم الضائعين، ولذلك قالوا (الجادة ولو طالت) وهذا مؤكد في المسيرة المكانية، ومثله (لزوم الاستقامة) في المسيرة الزمانية فإن الاستقامة تحقق لصاحبها خيري الدنيا والآخرة، وتجعله أقرب إلى النجاح وحب الناس والإحساس برضا الضمير وراحة البال وطعم السعادة. وفي تراثنا العربي ومأثورنا الشعبي حِكَم هائلة، بمثابة قناديل كاشفة، تنير لمن يريد ظلام المسير في الزمان، وتدله علی الصواب، وتشرح له طبائع العصور والمجتمعات ونفسيات الناس وسبل السعادة والنجاح (والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى بها) كما ورد في الحديث الشريف. واضمم مصابيح الرجال إلى .. مصباح رأيك تزدد ضوء مصباحِ ونقدم بعض الحكم التي تسهم في إِنارة المسيرة، وتقويم السلوك قدر الإمكان، وهي قطرة من بحار الحكمة في شعرنا الفصيح والشعبي. (1) الرأي كالليل مسودُّ جوانحُهُ والليل لا ينجلي إلاّ بإصباحِ فاضمم مصابيح آراء الرجال إلى مصباح رأيك تزدد ضوء مصباحِ (......) (2) على المرء أن يسعى إلى الخير جهده وليس عليه أن تتمَّ المطالبُ (......) (3) إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمةٍ فإن فساد الرأي أن تردّدا (4) ورب خدن وإن أبدى بشاشته يضحي على خدنه أعدى من الذيبِ لا تمدحنّ امرأً حتى تُجرّبه ولا تذُمّنّه من غير تجريبِ (5) إذا تزوجت فكن حاذقاً وأسأل عن الغصنِ وعن منبتِهْ (6) إن الكريم ليخفى عنك عسرته حتي تراه غنيّاً وهو مجهودُ وللبخيل على أمواله عللٌ زرق العيون عليها أوجهٌ سودُ (حماد عجرد) (7) وإني لترّاكُ الضغينة قد بدا ثراها من المولى فما استثيرها مخافة أن تجني عليّ وإنما يهيج كبيراتِ الأمور صغيرُها (شبيب بن البرصاء) (8) وهل ينبت الخَطّي إلا وشيجَه وتغرس إلا في منابتها النخلُ؟ (زهير بن أبي سلمى) (9) الموت أهون عندي عند التقاء الأسِنّةْ من أن يكون لنذل علي فضل ومنّة (أبو العتاهية) (10) وأتعبُ من ناداك من لا تجيبهُ وأغيظ من عاداك من لا تشاكل (المتنبي) اللي يريد الطيب يبعد عن العيب ..من يسكن قصر تبيّن عيابه (11) سود الليالي ما دري عن بطونها يمسن أناثي ويصبحنّ ذكور (مبارك بن مويم) (12) ولا يفتخر من جاد جده وخاله هي بالهمم لا بالرمم مثل ما قال الجمر يمسي كالخلاص اشتعاله ويصبح رماد خامد طافي بال (محمد بن عبدالله القاضي) (13) كم مطمع منه السلامة مكسب وكم مكسب منه الغنيمة تنجلي (جبر بن سيار - أمير القصب) (14) كم كلام راح من أجله نفوس وانت ما تاخذ علی نقله فلوس (بيدوي الوقداني) (15) فلا ييأس العاقل والايام تنقصي ولابدّ صياد الفهود يصاد (إبراهيم بن جعيثن) (16) خذ ما تراه وخلّ عنك الخماكير من شق جيب الناس شقوا وزاره (ابن لعبون) (17) من عاش في حيلة وكذب وتهاويل ياسرع من عقب الطلوع انحداره (لويحان التميمي) (18) النفس ما يلحق ابن آدم هواها كل يموت وخاطره يطلب الزود (عبدالله القريفة) (19) وافطن ترى دنياك خوانة عهود صفاقةٍ عرقوبها بارتماح (محدي الهبداني) (20) أوصيك عِزَّ النفس في كل الأحوال عن ذلها والذل ويش انتفاعه (ابن فرج)